الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( فإن اشترى ثوبا بجارية فوجد بالثوب عيبا فوطئ الجارية ففيه وجهان ( أحدهما ) أنه ينفسخ البيع كما ينفسخ البيع في مدة خيار الشرط بالوطء .

                                      ( والثاني ) لا ينفسخ ; لأن الملك قد استقر للمشتري ، فلا يجوز فسخه إلا بالقول ) .

                                      [ ص: 356 ]

                                      التالي السابق


                                      [ ص: 356 ] الشرح ) هذه المسألة ذكرها القاضي أبو الطيب في باب خيار المتبايعين ، وبنى الوجهين فيها على الوجيز في مسألة ذكرها هو والشيخ أبو حامد ، وهي ما إذا اشترى جارية بثمن ثم أفلس ، وثبت للبائع حق الفسخ فيها فوطئها ، هل يكون فسخا ؟ فيه وجهان .

                                      ( أحدهما ) نعم كالوطء في زمان الخيار ، فإنه إذا صدر من البائع والخيار له أولهما كان فسخا على الصحيح المنصوص ، الذي قاله المحاملي في التجريد أنه لا خلاف فيه . وقال القاضي أبو الطيب : على جميع الأقاويل والجامع بينهما أنه رد للملك ، وفسخ للبيع ، والملك يحصل بالقول والفعل ولا فرق في الوطء في زمان الخيار بين خيار المجلس وخيار الشرط ، وإنما قيد المصنف بخيار الشرط لأنه في مدة خيار المجلس . قد يقال : إن تحريم العقد باق ، والعقد أضعف ، وذلك أيعين رأس المال ؟ والغرض في الصرف في خيار المجلس كالمعين في العقد ولأجله ؟ قال بعض الأصحاب إن الحط والزيادة يلحقان في المجلس دون خيار الشرط ، وإن كان الأصح اللحوق فيهما فإذا كان الانفساخ بالوطء في خيار الشرط ففي المجلس أولى فلذلك خصه المصنف بالذكر لأنه أقرب إلى خيار الرد الطارئ بعد تحريم العقد لكن لك أن تقول : إن هذا القياس إنما يتم عند القائلين بأن الملك في زمان الخيار للمشتري ، وهو الصحيح عند الشيخ أبي حامد والقاضي أبي الطيب والإمام أما إذا قلنا بأن الخيار للبائع أو موقوف ، فيظهر الفرق بينه وبين المبيع المعيب فإنه ملك المشتري .

                                      ( والوجه الثاني ) لا ينفسخ بالوطء والفرق بينه وبين المبيع في زمان الخيار حيث نقول ينفسخ بالوطء وإن انتقل للمشتري أن الملك في زمان الخيار ضعيف ، والملك في المعيب قد استقر بدليل أنه يجوز له التصرف فيه فكان أقوى من الملك في زمان الخيار ; فلذلك يشترط فيه القول ، وهذا معنى ما ذكره المصنف وههنا أمور : ( أحدها ) أن هذا إنما يحتاج إليه إذا قلنا بالملك في زمن الخيار للمشتري ، وقد تقدم التنبيه على ذلك .

                                      ( الثاني ) ما الأصح من هذين الوجهين ؟ فاعلم أن الشافعي رحمه الله [ ص: 357 ] القائل بأن الأشبه أن من كان الخيار له فالملك له ، وإن كان لهما فموقوف يقتضي أن نقول هنا بأن الأصح الوجه الثاني عدم الانفساخ ; لأن القياس على زمان الخيار إذا كان الخيار لهما أو للبائع لا يحسن لأن الملك عنده لم يحكم بزواله ، فلم يشبه المعيب . وإذا كان الخيار للمشتري لا يمكن القول بأن وطء البائع فسخ ، فإنه إذا لم يملك الفسخ بالقول فعدم ملكه بالفعل أولى ، فعلى مقتضى كلام الرافعي ينبغي أن يكون الأصح هنا عدم الانفساخ وعلى ما صححه الشيخ أبو حامد وموافقوه من انتقال الملك بنفس العقد فقد ظهر الفرق بما ذكره المصنف رحمه الله فليكن الأصح أيضا عدم الانفساخ .

                                      ( الثالث ) قول المصنف الملك قد استقر للمشتري ، والمشتري في كلامه مشتري الثوب ، فيكون المعنى أن ملك الثوب قد استقر له ، فلا يجوز فسخه بوطء الجارية التي هي ثمن عنه ، وكذلك يقتضيه كلام القاضي أبي الطيب ، لكنه قال في مسألة الفلس التي بنى عليها لأن ملك المشتري قد استقر على الجارية ، وهذا يناسب أن يقول هنا : لأن البائع استقر على الجارية ; لأن الراجع في الفلس هو البائع والراجع في العيب هو المشتري ، ولا شك أن تملك كل من البائع والمشتري مستقر وكل من المأخذين صحيح ويظهر أن يقال إن مشتري الثوب إذا اطلع على عيبه فحقه في رده وفسخ البيع فيه ، ويترتب على ذلك انفساخه في مقابله ، فالذي يرد عليه الفسخ هو الثوب لا الجارية ، وكان التعليل باستقرار الملك فيه أولى ، وبذلك يظهر افتراق هذه مع المبيع في زمان الخيار ، وفي هذا المأخذ أيضا ; لأن الفسخ هناك وارد على الجارية الموطوءة بغير واسطة ، وههنا بواسطة رد الثوب .

                                      ( الرابع ) أن الوطء حرام على المذهب ( وإن قلنا ) يحصل به الفسخ .

                                      ( الخامس ) قال أبو علي الفارقي في هذا : إنا قصدنا بالوطء الفسخ ولا يجب عليه المهر ; لأنه وطئ في ملكه ، فإن لم يقصد به الفسخ لم يكن فسخا ، قولا واحدا ، ويجب المهر ولا حد عليه ، ونظير ذلك وطء الوالد الجارية المرهونة ، وإن وطئها بقصد الاسترجاع فعلى الوجهين ، وإن لم يقصد ; كان الوطء محرما ويلزمه المهر ولا حد للشبهة . [ ص: 358 ] السادس ) في جملة من نظائر هذه المسألة مما يجعل الفعل فيه كالقول في مسألة الجارية المرهونة ، وقد تقدمت ، ومنها التقليد والإشعار هل يجعل كقوله جعلته هديا ؟ فيه خلاف ، ومنها لو لبد المحرم رأسه وعقصه ، وهذا لا يفعله إلا العازم على الحلق ، فهل يتنزل الحلق ؟ على قولين ( الجديد ) لا ، وأما المعاطاة ونحوها فذلك لقرينة ، لا للفعل .




                                      الخدمات العلمية