الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        3304 حدثني إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن عمارة عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تجدون الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا وتجدون خير الناس في هذا الشأن أشدهم له كراهية وتجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه ويأتي هؤلاء بوجه

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        أولها : قوله : ( حدثني إسحاق بن إبراهيم ) هو ابن راهويه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( تجدون الناس معادن ) أي أصولا مختلفة ، والمعادن جمع معدن وهو الشيء المستقر في الأرض ، فتارة يكون نفيسا وتارة يكون خسيسا ، وكذلك الناس .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام ) وجه التشبيه أن المعدن لما كان إذا استخرج ظهر ما اختفى منه ولا تتغير صفته فكذلك صفة الشرف لا تتغير في ذاتها بل من كان شريفا في الجاهلية فهو بالنسبة إلى أهل الجاهلية رأس فإن أسلم استمر شرفه وكان أشرف ممن أسلم من المشروفين في الجاهلية ، وأما قوله إذا فقهوا ففيه إشارة إلى أن الشرف الإسلامي لا يتم إلا بالتفقه في الدين ، وعلى هذا فتنقسم الناس أربعة أقسام مع ما يقابلها :

                                                                                                                                                                                                        الأول شريف في الجاهلية أسلم وتفقه ، ويقابله مشروف في الجاهلية لم يسلم ولم يتفقه .

                                                                                                                                                                                                        الثاني شريف في الجاهلية أسلم ولم يتفقه ، ويقابله مشروف في الجاهلية لم يسلم وتفقه ،

                                                                                                                                                                                                        الثالث شريف في الجاهلية لم يسلم ولم يتفقه ، ويقابله مشروف في الجاهلية أسلم ثم تفقه .

                                                                                                                                                                                                        الرابع شريف في الجاهلية لم يسلم وتفقه ويقابله مشروف في الجاهلية أسلم ولم يتفقه فأرفع الأقسام من شرف في الجاهلية ثم أسلم وتفقه ، ويليه من كان مشروفا ثم أسلم وتفقه ، ويليه من كان شريفا في الجاهلية ثم أسلم ولم يتفقه ، ويليه من كان مشروفا ثم أسلم ولم يتفقه . وأما من لم يسلم فلا اعتبار به سواء كان شريفا أو مشروفا سواء تفقه أو لم يتفقه والله أعلم . والمراد بالخيار والشرف وغير ذلك من كان متصفا بمحاسن الأخلاق ، كالكرم والعفة والحلم وغيرها ، متوقيا لمساويها كالبخل والفجور والظلم وغيرها .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 613 ] قوله : ( إذا فقهوا ) بضم القاف ويجوز كسرها . ثانيها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ويجدون خير الناس في هذا الشأن ) أي الولاية والإمرة ، وقوله " أشدهم له كراهية " أي أن الدخول في عهدة الإمرة مكروه من جهة تحمل المشقة فيه ، وإنما تشتد الكراهة له ممن يتصف بالعقل والدين ، لما فيه من صعوبة العمل بالعدل وحمل الناس على رفع الظلم ، ولما يترتب عليه من مطالبة الله تعالى للقائم به من حقوقه وحقوق عباده ، ولا يخفى خيرية من خاف مقام ربه . وأما قوله في الطريق التي بعد هذه وتجدون من خير الناس أشد الناس كراهية لهذا الشأن حتى يقع فيه فإنه قيد الإطلاق في الرواية الأولى وعرف أن من فيه مراده ، وأن من اتصف بذلك لا يكون خير الناس على الإطلاق . وأما قوله : حتى يقع فيه " فاختلف في مفهومه فقيل : معناه أن من لم يكن حريصا على الإمرة غير راغب فيها إذا حصلت له بغير سؤال تزول عنه الكراهة فيها لما يرى من إعانة الله له عليها ، فيأمن على دينه ممن كان يخاف عليه منها قبل أن يقع فيها ، ومن ثم أحب من أحب استمرار الولاية من السلف الصالح حتى قاتل عليها ، وصرح بعض من عزل منهم بأنه لم تسره الولاية بل ساءه العزل . وقيل المراد بقوله : حتى يقع فيه " أي فإذا وقع فيه لا يجوز له أن يكرهه ، وقيل معناه أن العادة جرت بذلك وأن من حرص على الشيء ورغب في طلبه قل أن يحصل له ، ومن أعرض عن الشيء وقلت رغبته فيه يحصل له غالبا والله أعلم . ثالثها :

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وتجدون شر الناس ذا الوجهين ) سيأتي شرحه في كتاب الأدب ، فقد أورده من وجه آخر مستقلا . الحديث الرابع يشتمل على ثلاثة أحاديث اثنين في الذي قبله .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية