الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 485 ] باب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخلف ولم يوص إلى أحد بعينه بل نبه على الخلافة بأمر الصلاة

                                                                                      قال هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن ابن عمر قال : حضرت أبي حين أصيب فأثنوا عليه ، وقالوا : جزاك الله خيرا ، فقال : راغب ، راهب . قالوا : استخلف . فقال : أتحمل أمركم حيا وميتا ؟ لوددت أن حظي منكم الكفاف لا علي ولا لي ، إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني - يعني أبا بكر - وإن أترككم فقد ترككم من هو خير مني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال عبد الله : فعرفت أنه غير مستخلف حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم . متفق عليه . واتفقا عليه من حديث سالم بن عبد الله ، عن أبيه .

                                                                                      وقال الثوري ، عن الأسود بن قيس ، عن عمرو بن سفيان قال : لما ظهر علي يوم الجمل ، قال : أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعهد إلينا في هذه الإمارة شيئا حتى رأينا من الرأي أن نستخلف أبا بكر ، فأقام واستقام حتى مضى لسبيله ، ثم إن أبا بكر رأى من الرأي أن يستخلف عمر ، فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه ، ثم إن أقواما طلبوا الدنيا فكانت أمور يقضي الله فيها . إسناده حسن .

                                                                                      وقال أحمد في " مسنده " : حدثنا أبو معاوية قال : حدثنا عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة ، قالت : لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن أبي بكر : ائتني بكتف [ ص: 486 ] أو لوح حتى أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه . فلما ذهب عبد الرحمن ليقوم قال : أبى الله والمؤمنون أن يختلف عليك يا أبا بكر .

                                                                                      ويروى عن أنس نحوه .

                                                                                      وقال شعيب بن ميمون ، عن حصين بن عبد الرحمن ، عن الشعبي ، عن أبي وائل قال : قيل لعلي ألا تستخلف علينا ؟ قال : ما استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستخلف . تفرد به شعيب ، وله مناكير .

                                                                                      وقال شعيب بن أبي حمزة ، عن الزهري ، عن عبد الله بن كعب بن مالك ، أن ابن عباس أخبره ، أن عليا خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي توفي فيه ، فقال الناس : يا أبا حسن كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : أصبح بحمد الله بارئا . فأخذ بيده العباس فقال : أنت والله بعد ثلاث عبد العصا ، وإني والله لأرى رسول الله صلى الله عليه وسلم سوف يتوفاه الله من وجعه هذا ، إني أعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت ، فاذهب بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلنسأله فيمن هذا الأمر ، فإن كان فينا علمنا ذلك ، وإن كان في غيرنا كلمناه فأوصى بنا ، قال علي : إنا والله لئن سألناها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده أبدا ، وإني والله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه البخاري . ورواه معمر وغيره .

                                                                                      وقال أبو حمزة السكري ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي قال : قال العباس لعلي رضي الله عنهما : إني أكاد أعرف في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الموت ، فانطلق بنا نسأله ، فإن يستخلف منا فذاك ، وإلا أوصى بنا . فقال علي للعباس كلمة فيها جفاء ، فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم قال العباس لعلي : ابسط يدك فلنبايعك . قال : فقبض يده ، قال الشعبي : لو أن عليا أطاع العباس - في أحد الرأيين - كان خيرا من حمر النعم . وقال : لو أن [ ص: 487 ] العباس شهد بدرا ما فضله أحد من الناس رأيا ولا عقلا .

                                                                                      وقال أبو إسحاق عن أرقم بن شرحبيل : سمعت ابن عباس يقول : مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يوص .

                                                                                      وقال طلحة بن مصرف : سألت عبد الله بن أبي أوفى : هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا . قلت : فلم أمر بالوصية ؟ قال : أوصى بكتاب الله . قال طلحة : قال هزيل بن شرحبيل : أبو بكر يتأمر على وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ود أبو بكر أنه وجد عهدا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فخزم أنفه بخزام . متفق عليه .

                                                                                      وقال همام ، عن قتادة ، عن أبي حسان أن عليا قال : ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا خاصة دون الناس إلا ما في هذه الصحيفة . . الحديث .

                                                                                      وأما الحديث الذي فيه وصية النبي صلى الله عليه وسلم لعلي : يا علي إن للمؤمن ثلاث علامات : الصلاة ، والصيام ، والزكاة ، فذكر حديثا طويلا موضوعا ، تفرد به حماد بن عمرو - وكان يكذب - عن السري بن خالد ، عن جعفر الصادق ، عن آبائه . وعند الرافضة أباطيل في أن عليا عهد إليه .

                                                                                      وقال ابن إسحاق : حدثني صالح بن كيسان ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله قال : لم يوص رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته إلا بثلاث : أوصى للرهاويين بجاد مائة وسق ، وللداريين بجاد مائة وسق ، وللشنيين بجاد مائة وسق ، وللأشعريين بجاد مائة وسق من خيبر ، وأوصى بتنفيذ بعث أسامة ، وأوصى أن لا يترك بجزيرة العرب دينان . مرسل .

                                                                                      [ ص: 488 ] وقال إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس ، عن جرير بن عبد الله قال : كنت باليمن فلقيت رجلين من أهل اليمن ذا كلاع ، وذا عمرو ، فجعلت أحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا لي : إن كان ما تقول حقا مضى صاحبك على أجله منذ ثلاث . قال : فأقبلت وأقبلا معي ، حتى إذا كنا في بعض الطريق رفع لنا ركب من قبل المدينة ، فسألناهم فقالوا : قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر والناس صالحون ، فقالا لي : أخبر صاحبك أنا قد جئنا ولعلنا إن شاء الله سنعود ، ورجعا إلى اليمن ، وذكر الحديث . أخرجه البخاري .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية