الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أما المسألة الثانية : فصورتها أن يستحق إنسان شقصا في أرض قد بيع منها قبل وقت الاستحقاق شقص ما; هل له أن يأخذ بالشفعة أم لا ؟

فقال قوم : له ذلك; لأنه وجبت له الشفعة بتقدم شركته قبل البيع ، ولا فرق في ذلك كانت يده عليه أو لم تكن .

وقال قوم : لا تجب له الشفعة; لأنه إنما ثبت له مال الشركة يوم الاستحقاق ، قالوا : ألا ترى أنه لا يأخذ الغلة من المشتري .

فأما مالك فقال : إن طال الزمان فلا شفعة ، وإن لم يطل ففيه الشفعة ، وهو استحسان .

وأما متى يأخذ وهو له الشفعة ؟ فإن الذي له الشفعة رجلان حاضر أو غائب :

فأما الغائب : فأجمع له العلماء على أن الغائب على شفعته ما لم يعلم ببيع شريكه . واختلفوا إذا علم وهو غائب : فقال قوم : تسقط شفعته . وقال قوم : لا تسقط ، وهو مذهب مالك .

والحجة له ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث جابر أنه قال : " الجار أحق بصقبه " . أو قال : " بشفعته ينتظر بها إذا كان غائبا " . وأيضا فإن الغائب في الأكثر معوق عن الأخذ بالشفعة ، فوجب عذره .

وعمدة الفريق الثاني : أن سكوته مع العلم قرينة تدل على رضاه بإسقاطها .

وأما الحاضر : فإن الفقهاء اختلفوا في وقت وجوب الشفعة له :

فقال الشافعي ، وأبو حنيفة : هي واجبة له على الفور بشرط العلم وإمكان الطلب ، فإن علم وأمكن الطلب ، ولم يطلب بطلت شفعته ، إلا أن أبا حنيفة قال : إن أشهد بالأخذ لم تبطل وإن تراخى .

وأما مالك : فليست عنده على الفور ، بل وقت وجوبها متسع ، واختلف قوله في هذا الوقت : هل هو محدود أم لا ؟ فمرة قال : هو غير محدود ، وأنها لا تنقطع أبدا إلا أن يحدث المبتاع بناء ، أو تغييرا كثيرا بمعرفته ، وهو حاضر عالم ساكت . ومرة حدد هذا الوقت ، فروي عنه السنة ، وهو الأشهر ، وقيل أكثر من سنة ، وقد قيل عنه : إن الخمسة أعوام لا تنقطع فيها الشفعة .

واحتج الشافعي بما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال : " الشفعة كحل العقال " ، وقد روي عن الشافعي أن أمدها ثلاثة أيام .

وأما من لم يسقط الشفعة بالسكوت واعتمد على أن السكوت لا يبطل حق امرئ مسلم ما لم يظهر من قرائن أحواله ما يدل على إسقاطه ، وكان هذا أشبه بأصول الشافعي ; لأن عنده أنه ليس يجب أن ينسب إلى ساكت قول قائل ، وإن اقترنت به أحوال تدل على رضاه ، ولكنه فيما أحسب اعتمد الأثر ، فهذا هو القول [ ص: 610 ] في أركان الشفعة ، وشروطها المصححة لها ، وبقي القول في الأحكام .

التالي السابق


الخدمات العلمية