الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
55 - باب فرش حروف سورة النمل


1 - شهاب بنون ثق وقل يأتينني دنا مكث افتح ضمة الكاف نوفلا



قرأ الكوفيون: أو آتيكم بشهاب بإثبات النون أي التنوين في الباء، فتكون قراءة غيرهم بحذف التنوين، وقرأ ابن كثير: (أو ليأتينني) بزيادة نون مكسورة خفيفة بعد النون المشددة مع فتح المشددة كما لفظ به، وقرأ غيره بحذف النون الزائدة وكسر النون المشددة، وقرأ عاصم: فمكث غير بعيد بفتح ضمة الكاف، وقرأ غيره بضمتها.


2 - معا سبأ افتح دون نون حمى هدى     وسكنه وانو الوقف زهرا ومندلا



قرأ أبو عمرو والبزي لفظ (سبإ) في: وجئتك من سبإ هنا، لقد كان لسبإ في سورة سبإ بفتح الهمزة دون تنوينها في الموضعين، وقرأ قنبل بتسكين الهمزة، وبين الناظم علة قراءة قنبل بقوله (وانو الوقف) أي تكون واصلا بنية الوقف، ففي قراءة قنبل حمل الوصل على الوقف، وقرأ الباقون بكسر الهمزة منونة في الموضعين، وفهمت قراءتهم من ضد الترجمة الأولى.

[ ص: 334 ]

3 - ألا يا اسجدوا راو وقف مبتلى ألا     ويا واسجدوا وابدأه بالضم موصلا
4 - أراد ألا يا هؤلاء اسجدوا وقف     له قبله والغير أدرج مبدلا
5 - وقد قيل مفعولا وأن أدغموا بلا     وليس بمقطوع فقف يسجدوا ولا



قرأ الكسائي (ألا) في قوله تعالى: ألا يسجدوا بتخفيف اللام، فجعل (ألا) حرف استفتاح وتنبيه نحو: ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم وبناء على هذا يكون قوله يسجدوا كلمتين الأولى (يا) التي للنداء والمنادى محذوف تقديره هؤلاء، أو قوم، أو نحو ذلك، والثانية (اسجدوا) وهي فعل أمر والتقدير: ألا يا هؤلاء أو يا قوم اسجدوا، إلا أن هذا اللفظ كتب في المصحف بحذف ألف (يا) وحذف همزة الوصل من (اسجدوا) وحذف ألف (يا) مطرد في رسم المصحف نحو: (يقوم، ينوح، يصالح)، وحذف ألف الوصل أيضا معهود في المصاحف نحو: (بسم الله)، وبناء على هذا يكون رسم المصحف محتملا لقراءة الكسائي، وقول الناظم (وقف مبتلى ألا) إلخ، معناه: إذا اختبرت بالوقف أي وجه إليك هذا السؤال كيف تقف؟ وعلى أين تقف في قراءة الكسائي بتخفيف ألا؟ وقد أجاب الناظم عن هذا السؤال بجواز الوقف على (ألا) وحدها، لأنها أداة تنبيه مستقلة، وعلى (يا) باعتبارها حرف نداء فهي كلمة مستقلة أيضا، وعلى (اسجدوا) لاستقلاله أيضا لكونه فعل أمر وفاعله، ويبتدأ (اسجدوا) بضم الهمزة، لأنه فعل أمر ثالثه مضموم، وهمزة الوصل تضم إذا كان ثالث فعل الأمر مضموما نحو: (انظر)، (اخرج)، وهذا معنى قوله (وابدأه بالضم موصلا) أي ابدأ هذا الفعل حال كونك ناطقا بهمزة الوصل مضمومة، ثم ذكر الناظم أن مراد الكسائي بتخفيف (ألا) بيان أن أصل الكلام: ألا يا هؤلاء اسجدوا، فحذف المنادى واكتفى بحرف النداء للعلم به، ثم قال: (قف للكسائي على ما قبل حرف التنبيه) أي على قوله (يهتدون)، لأن الكلام يتم على (لا يهتدون) عند الكسائي، ثم ذكر أن غير الكسائي أدرج أي وصل (يهتدون) بقوله (ألا) لأن (ألا) عند هؤلاء القراء مشددة و(يسجدوا) فعل مضارع، و(أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر، وهذا المصدر بدل من (أعمالهم) في وزين لهم الشيطان أعمالهم ، والتقدير: وزين لهم الشيطان أعمالهم ترك السجود [ ص: 335 ] لله الذي يخرج الخبء إلخ، وقوله: (وقد قيل مفعول) معناه: أن بعض العلماء جعل ألا يسجدوا في قراءة غير الكسائي بتشديد اللام مفعولا به، لقوله (يهتدون) بزيادة لا، والتقدير: فهم لا يهتدون أن لا يسجدوا، أي لا يهتدون للسجود، (وألا) في قراءة الجماعة مركبة من (أن) المصدرية ولا النافية، فأدغمت (أن) في (لا) ولم ترسم لها صورة في المصحف، وحينئذ فلا يجوز الوقف على (أن) بل يكون الوقف اختبارا أو اضطرارا على (ألا) ويكون اختبارا على (يسجدوا).

والخلاصة: أنه يجوز الوقف اختبارا بالباء الموحدة على (ألا)، و(ياء)، و(اسجدوا) في قراءة الكسائي، ولا يجوز الوقف اختيارا بالياء المثناة إلا على (اسجدوا) في هذه القراءة، وأما على قراءة الجماعة فيجوز الوقف اختبارا بالموحدة على (ألا) ولا يجوز اختيارا بالياء إلا على (يسجدوا) والله تعالى أعلم.


6 - ويخفون خاطب يعلنون على رضا     تمدونني الإدغام فاز وثقلا



قرأ حفص والكسائي: ويعلم ما تخفون وما تعلنون بتاء الخطاب في الفعلين، وقرأ الباقون بياء الغيب فيهما، وقرأ حمزة: (أتمدونني بمال) بإدغام النون الأولى في الثانية فيصير النطق بنون واحدة مكسورة مشددة مع المد المشبع، وقرأ غيره بعدم الإدغام أي بنونين خفيفتين الأولى مفتوحة والثانية مكسورة.


7 - مع السوق ساقيها وسوق اهمزوا زكا     ووجه بهمز بعده الواو وكلا



قرأ قنبل: وكشفت عن ساقيها في هذه السورة، بالسوق والأعناق في (ص)، فاستوى على سوقه في الفتح، بهمزة ساكنة بعد السين في المواضع الثلاثة، وعلم سكون الهمزة من لفظه، ولقنبل وجه آخر في موضع (ص)، وموضع الفتح، وهو بهمزة مضمومة بعد السين وبعد الهمزة المضمومة واو ساكنة مدية، وقرأ الباقون بغير همز فيهن.


8 - نقولن فاضمم رابعا ونبيتن     نه ومعا في النون خاطب شمردلا



قرأ حمزة والكسائي: قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن بضم الحرف الرابع في (لنقولن)، وهو اللام وفي (لنبيتنه)، وهو التاء، وبتاء الخطاب في مكان النون في الفعلين، وقرأ غيرهما بالنون في الفعلين مع فتح الحرف الرابع فيهما وهو التاء في (لتبيتنه) واللام [ ص: 336 ] في (لنقولن)، واعتبرت التاء رابعة في الفعل الأول بغض النظر عن اللام، وباعتبار كون الياء فيه حرفا واحدا مشددا، واعتبرت اللام رابعة في الفعل الثاني بقطع النظر عن اللام في أوله.


9 - ومع فتح إن الناس ما بعد مكرهم     لكوف وأما يشركون ند حلا



قرأ الكوفيون بفتح همزة (أن) في قوله تعالى: أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون وفتح همزة (أنا) الذي بعد كلمة (مكرهم) في قوله تعالى: فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم فتكون قراءة الباقين بكسر الهمزة في الموضعين، وقرأ عاصم وأبو عمرو: (آلله خير أما يشركون) بياء الغيب في (يشركون) فتكون قراءة غيرهم بتاء الخطاب فيها.


10 - وشدد وصل وامدد بل ادارك الذي     ذكا قبله يذكرون له حلا



قرأ نافع وابن عامر والكوفيون بل ادارك بتشديد الدال وفتحه وإثبات ألف بعده، وجعل الهمزة قبله همزة وصل، فإذا ابتدئ بهذه الكلمة كسرت همزة الوصل، وعلم فتح الدال من قوله (وامدد) لأن المد لا يكون ما قبله إلا مفتوحا، وعلى هذه القراءة يلزم كسر لام (بل) تخلصا من التقاء الساكنين، فتكون قراءة ابن كثير وأبي عمرو بتخفيف الدال ساكنة، وقطع الهمزة مفتوحة قبله وصلا وابتداء، ويلزم على هذه القراءة سكون لام (بل)، وكان على الناظم أن يقيد الدال في هذه القراءة بالسكون، إذ لا يلزم من تخفيفها سكونها، وقرأ هشام وأبو عمرو: (قليلا ما يذكرون) الواقع قبل ادارك في التلاوة بياء الغيب كما لفظ به، فتكون قراءة غيرهما بتاء الخطاب.


11 - بهادي معا تهدي فشا العمي ناصبا     وباليا لكل قف وبالروم شمللا



قرأ حمزة: وما أنت بهادي العمي هنا وفي الروم (تهدي) بفتح التاء وسكون الهاء في مكان (بهادي) في قراءة غيره بالباء الموحدة المكسورة وفتح الهاء وألف بعدها، وقد لفظ الناظم بالقراءتين معا، فأغنى عن تقييدهما، وقرأ حمزة أيضا (العمي) بنصب الياء في الموضعين، وقرأ غيره بجرها فيهما، ووقف القراء جميعا على الكلمة الأولى بالياء، سواء في ذلك من قرأ (تهدي) أو قرأ (بهادي)، وهذا الحكم في هذه السورة، وأما في سورة الروم [ ص: 337 ] فلم يقف بالياء إلا حمزة والكسائي، وأما غيرهما فوقف على الدال وحذف الياء.


12 - وآتوه فاقصر وافتح الضم علمه     فشا تفعلون الغيب حق له دلا



قرأ حفص وحمزة: وكل أتوه داخرين بقصر الهمزة وفتح ضم التاء، وقرأ غيرهما بمد الهمزة وضم التاء، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وهشام: إنه خبير بما تفعلون بياء الغيب، فتكون قراءة غيرهم بتاء الخطاب.


13 - ومالي وأوزعني وإني كلاهما     ليبلوني الياءات في قول من بلا



ياءات الإضافة في هذه السورة: ما لي لا أرى الهدهد ، أوزعني أن أشكر ، إني آنست نارا ، إني ألقي إلي ، ليبلوني أأشكر ، وقوله: (في قول من بلا) معناه: في قول من خبر هذا العلم وعلم أسراره ومرن عليه.

التالي السابق


الخدمات العلمية