الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  144 10 - حدثنا آدم قال : حدثنا ابن أبي ذئب قال : حدثنا الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي ، عن أبي أيوب الأنصاري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يولها ظهره ، شرقوا أو غربوا .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقة الحديث للترجمة المستثنى منها ظاهرة ، وليس له مطابقة للمستثنى على ما ذكرنا ، وما يطابقه هو حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما على الوجه الذي نقلناه الآن عن ابن بطال ، فمن هذا قال صاحب التلويح : في هذا الحديث ما يدل على عكس ما قاله البخاري ، وذلك أن أبا أيوب راوي الحديث فهم منه غير ما ذكره البخاري ، وهو تعميم النهي والتسوية في ذلك بين الصحاري والأبنية بين ذلك بقوله "فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة ، فكنا ننحرف عنها ، ونستغفر الله تعالى" .

                                                                                                                                                                                  وفي حديث مالك قال أبو أيوب رضي الله تعالى عنه "فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض بنيت قبل الكعبة فننحرف ونستغفر الله تعالى" ، وعن الزهري عن عطاء سمعت أبا أيوب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله ، ذكره البخاري في باب قبلة أهل المدينة في أوائل الصلاة ، وفي حديث مالك للنسائي عن أبي أيوب أنه قال : والله ما أدري كيف أصنع بهذه الكرابيس ، وقد قال النبي - عليه الصلاة والسلام - الحديث .

                                                                                                                                                                                  ( بيان رجاله ) وهم خمسة :

                                                                                                                                                                                  الأول : آدم ابن أبي إياس ، وقد تكرر ذكره .

                                                                                                                                                                                  الثاني : محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب ، هشام المدني العامري ، وقد مر .

                                                                                                                                                                                  الثالث : محمد بن مسلم الزهري ، وقد تكرر ذكره .

                                                                                                                                                                                  الرابع : أبو يزيد ، عطاء بن يزيد من الزيادة ، الليثي ، ثم الجندعي ، بضم الجيم وسكون النون وضم الدال المهملة ، وفي آخره عين مهملة المدني ، ويقال : الشامي التابعي ; لأنه سكن رملة الشام ، مات سنة سبع ، وقيل : خمس ومائة ، عن اثنين وثمانين سنة .

                                                                                                                                                                                  الخامس : أبو أيوب ، خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد عوف بن غنم الأنصاري النجاري ، شهد بدرا والعقبة الثانية ، وعليه نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قدم المدينة شهرا ، وهو من نجباء الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، روي له مائة وخمسون حديثا اتفقا منها على سبعة ، وانفرد البخاري بحديث ، وكان مع علي رضي الله تعالى عنه في حروبه ، مات بالقسطنطينية غازيا سنة خمسين ، وذلك مع يزيد بن معاوية ، خرج معه فمرض ، فلما ثقل عليه المرض قال لأصحابه : إذا أنا مت فاحملوني ; فإذا صاففتم العدو فادفنوني تحت أقدامكم ففعلوا ، فقبره قريب من سورها ، معروف إلى اليوم معظم ، فيستسقون به فيسقون ، وأبو أيوب في الصحابة ثلاثة ، هذا أجلهم ، وثانيهم يماني له رواية ، وثالثهم روي له عن علي بن مسهر عن الإفريقي عن أبيه عن أبي أيوب فلعله الأول .

                                                                                                                                                                                  وأيوب يشتبه بأثوب بسكون الثاء المثلثة وفتح الواو ، وهو أثوب بن عتبة ، صحابي روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم " الديك الأبيض خليلي " إسناده لا يثبت ، رواه عبد الباقي بن قانع ، حدثنا حسين ، حدثنا علي بن بحر ، حدثنا ملاذ بن عمرو ، عن هارون بن نجيد ، عن جابر ، عن أثوب بن عتبة قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والحارث ابن أثوب تابعي قاله عبد الغني ، وقال ابن ماكولا : والصواب ثوب ، بضم الثاء وفتح الواو ، وأثوب بن أزهر زوج قيلة بنت مخرمة الصحابية رضي الله تعالى عنها .

                                                                                                                                                                                  ( بيان لطائف إسناده ) منها أن فيه التحديث والعنعنة ، ومنها أن رواته كلهم مدنيون ما خلا آدم فإنه أيضا دخل إليها .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 277 ] ومنها أن فيه رواية التابعي عن التابعي .

                                                                                                                                                                                  ( بيان تعدد موضعه ، ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري أيضا في الصلاة عن علي عن سفيان بن عيينة عن الزهري به ، وأخرجه مسلم في الطهارة عن يحيى بن يحيى وزهير وابن نمير .

                                                                                                                                                                                  وأبو داود أيضا فيه عن مسدد ، والترمذي فيه أيضا عن سعيد بن عبد الرحمن خمستهم عن سفيان به ، وأخرجه النسائي فيه أيضا عن محمد بن منصور عن سفيان به ، وعن يعقوب بن إبراهيم عن غندر عن معمر عن الزهري بمعناه ، وأخرجه ابن ماجه فيه أيضا عن أبي الطاهر بن السرح عن ابن وهب عن يونس عن الزهري نحوه .

                                                                                                                                                                                  ( بيان اللغات والإعراب ) قوله : « إذا أتى " من الإتيان ، وهو المجيء ، وقد أتيه أتيا وأتوتة وأتوة لغة فيه ، وكلمة إذا للشرط ، ولهذا دخلت الفاء في جوابها ، وهو قوله : « فلا يستقبل القبلة " قوله : « الغائط " منصوب بقوله أتى ، قوله : « فلا يستقبل القبلة " يجوز فيه الوجهان ، أحدهما : أن يكون نهيا فتكون اللام مكسورة ; لأن الأصل في الساكن إذا حرك أن يحرك بالكسر ، والآخر : أن يكون نفيا فتكون اللام مضمومة ، قوله : « ولا يولها " نهي ، ولهذا حذفت منه الياء ، وأصله : ولا يوليها من ولاه الشيء إذا استقبله ، وفي المطالع : وقد يكون التولي بمعنى الاستقبال فأينما تولوا فثم وجه الله أي : تولوا وجوهكم ، والهاء مفعوله الأول ، وظهره مفعوله الثاني ، وهو يستدعي مفعولين ، ولهذا قال الزمخشري في قوله تعالى ولكل وجهة هو موليها أي : موليها وجهه فحذف أحد المفعولين ، وقال الجوهري ولكل وجهة هو موليها أي : يستقبلها بوجهه ، وهاهنا أيضا المعنى : لا يستقبل القبلة بظهره ، وحاصل المعنى : لا يستدبر القبلة بظهره أو لا يجعلها مقابل ظهره .

                                                                                                                                                                                  قوله : « شرقوا " جملة من الفعل والفاعل ، وكذلك "أو غربوا" من التشريق ، وهو الأخذ في ناحية المشرق ، والتغريب وهو الأخذ في ناحية المغرب . يقال : شتان بين مشرق ومغرب .

                                                                                                                                                                                  ( بيان المعاني ) فيه تقييد الفعل بالشرط ، وقد علم الفرق بين تقييده بأن وبين تقييده بإذا بأن أصل أن عدم الجزم بوقوع الشرط ، وأصل إذا الجزم بوقوعه ، وغلب لفظ الماضي بإذا على المستقبل ; لأن لفظ الماضي أنسب إلى مدلول إذا من لفظ المستقبل ; لكون الماضي أقرب إلى القطع بالوقوع من المستقبل نظرا إلى اللفظ لا إلى المعنى ; فإنه يدل على الاستقبال لوقوعه في سياق الشرط ، وفيه أسلوب الالتفات من الغيبة إلى الخطاب ، وإذا وقع الكلام على أساليب مختلفة يزداد رونقا وبهجة وحسنا سيما هو من كلام أفصح الناس ، وقال الخطابي : قوله : « شرقوا أو غربوا " خطاب لأهل المدينة ولمن كانت قبلته على ذلك السمت ، وأما من قبلته إلى جهة المشرق أو المغرب ; فإنه لا يشرق ولا يغرب ، وقال الداودي : اختلف في قوله : « شرقوا أو غربوا " فقيل : إنما ذلك في المدينة وما أشبهها كأهل الشام واليمن ، وأما من كانت قبلته من جهة المشرق أو المغرب ; فإنه يتيامن أو يتشاءم .

                                                                                                                                                                                  وقال بعضهم : البيت قبلة لمن في المسجد ، والمسجد قبلة لأهل مكة ، ومكة قبلة لأهل الحرم ، والحرم قبلة لسائر أهل الأرض ، وقالوا في قوله : « ما بين المشرق والمغرب قبلة " فيما يحاذي الكعبة : إنه يصلى إليه من الجهتين ولا يشرق ولا يغرب يحاذي كل طائفة الأخرى في هذا ; لأن الله سبحانه وتعالى كرم البيت وجعله مصلى يصلى إليه من كل جهة .

                                                                                                                                                                                  ( بيان استنباط الأحكام ) :

                                                                                                                                                                                  الأول : احتج أبو حنيفة رضي الله عنه بالحديث المذكور على عدم جواز استقبال القبلة واستدبارها بالبول والغائط سواء كان في الصحراء أو في البنيان أخذا في ذلك بعموم الحديث ، هو مذهب مجاهد وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وأبي ثور وأحمد في رواية ، وهو مذهب الراوي أيضا ، وهو أبو أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه ، ولأن المنع لأجل تعظيم القبلة ، وهو موجود في الصحراء والبنيان ، فالجواز في البنيان إن كان لوجود الحائل فهو موجود في الصحراء في البلاد النائية ; لأن بينها وبين الكعبة جبالا وأودية وغير ذلك لا سيما عند من يقول بكروية الأرض ; فإنه لا موازاة إذ ذاك بالكلية ، وما ورد من قول الشعبي أنه علل ذلك بأن لله خلقا من عباده يصلون في الصحراء فلا تستقبلوهم ولا تستدبروهم ، وأنه لا يوجد في الأبنية ، فهو تعليل في مقابلة النص ، ولهم في ذلك أحاديث أخرى كلها عامة في النهي ، منها حديث عبد الله بن الحارث بن جزء : أنا أول من سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لا يبولن أحدكم مستقبل القبلة " وأنا أول من حدث الناس بذلك .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : قال ابن يونس في تاريخه : وهو حديث معلول . قلت : لا التفات إلى قوله هذا ; فإن ابن حبان قد صححه .

                                                                                                                                                                                  ومنها [ ص: 278 ] حديث معقل بن أبي معقل "نهى رسول الله - عليه الصلاة والسلام - أن تستقبل القبلتين ببول أو غائط" أخرجه ابن ماجه وأبو داود ، وأراد بالقبلتين الكعبة وبيت المقدس ، ويحتمل أن يكون على معنى الاحترام لبيت المقدس ; إذ كان مرة قبلة لنا ، ويحتمل أن يكون ذلك من أجل استدبار الكعبة ; لأن من استقبله فقد استدبر الكعبة ، ومنها حديث سلمان رضي الله تعالى عنه "لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول" الحديث أخرجه مسلم والأربعة ، ومنها حديث أبي هريرة "إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم ; فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها" الحديث أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : حديث أبي أيوب في إسناده اختلاف فرواه إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عبد الرحمن بن يزيد بن حارثة عن أبي أيوب ، وقيل : عن إبراهيم عن الزهري عن رجل عن أبي أيوب ، ورواه أيوب بن أبي تميمة عن الزهري عن رجلين لم يسمهما عن أبي أيوب ، وأرسله نافع بن عمر الجمحي عن الزهري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                  قلت : رواه عن أبي أيوب جماعة منهم رافع بن إسحاق وعمر بن ثابت وأبو الأحوص وعبد الرحمن بن يزيد بن حارثة ، وعن الزهري ابن أبي ذئب ومعمر ويونس وابن أخي الزهري والنعمان بن راشد وسليمان بن كثير وعبد الرحمن بن إسحاق وأبو سعيد الخدري ومحمد بن أبي حفصة ويزيد بن أبي حبيب وعقيل ، وقال الدارقطني : والقول قول ابن أبي ذئب ومن تابعه ، وفي مسند الحميدي تصريح الزهري بسماعه إياه من عطاء ، وعطاء من أبي أيوب رضي الله تعالى عنه ، ثم اعلم أن حاصل ما للعلماء في ذلك أربعة مذاهب ، أحدها : المنع المطلق ، وقد ذكرناه ، الثاني : الجواز مطلقا ، وهو قول عروة بن الزبير وربيعة الرأي وداود ورأى هؤلاء أن حديث أبي أيوب منسوخ ، وزعموا أن ناسخه حديث مجاهد عن جابر رضي الله تعالى عنه " نهانا رسول الله - عليه الصلاة والسلام - أن نستقبل القبلة أو نستدبرها ببول ، ثم رأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها " أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وزعم أنه صحيح على شرط مسلم ، وقال الترمذي : حديث حسن غريب .

                                                                                                                                                                                  قلت : قول الحاكم صحيح على شرط مسلم غير صحيح ; لأن أبان راويه عن مجاهد عن جابر لم يخرج له مسلم شيئا ، والحديث حديثه ، وعليه يدور ، نعم ، صححه البخاري فيما سأله الترمذي عنه فقال : حديث صحيح ذكره في الخلافيات للبيهقي ، وتقريب المدارك في الكلام على موطأ مالك .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : قال ابن حزم : هذا حديث ضعيف ; لأنه رواه أبان بن صالح ، وليس هو المشهور . قلت : هذا مردود بتصحيح البخاري وغيره ، وقال يحيى بن معين وأبو زرعة وأبو حاتم ويعقوب بن شيبة والعجلي : أبان بن صالح ثقة ، وقال النسائي : كان حاكما بالمدينة وليس به بأس ، فأي شهرة أرفع من هذه ، وقال البزار : هذا حديث لا نعرفه ، ويروى عن جابر بهذا اللفظ بإسناد أحسن من هذا الإسناد .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : قال أبو عمر في التمهيد : رد أحمد بن حنبل حديث جابر رضي الله عنه هذا ، وهو حديث ليس بصحيح فيعرج عليه ; لأن أبان ضعيف . قلت : إن أراد بقوله رده أحمد ، العمل به ، فمحتمل ، وإن أراد به الرد الصناعي فغير مسلم ; لثبوته في مسنده لم يضرب عليه كعادته فيما ليس بصحيح عنده أو مردود على ما بينه الحافظ أبو موسى المديني في خصائص مسنده ، وأما تضعيفه الحديث بأبان فغير موجه لثبوت توثيقه من الجماعة الذين ذكرناهم ، وأما قول الترمذي : حسن غريب ، فهو وإن كان جمعا بين الضدين بحسب الظاهر ، ولكنه لعله أراد تفرد بعض رواته ، وكأنه يشير إلى أن أبان هو المنفرد به فيما أرى . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                  وأما دعوى النسخ المذكور فليست بظاهرة ; بل هو استدلال ضعيف ; لأنه لا يصار إليه إلا عند تعذر الجمع ، وهو ممكن ، كما سيجيء بيانه إن شاء الله تعالى على أن حديث جابر محمول على أنه رآه في بناء أو نحوه ; لأن ذلك هو المعهود من حال النبي - عليه الصلاة والسلام - لمبالغته في التستر .

                                                                                                                                                                                  المذهب الثالث : أنه لا يجوز الاستقبال في الأبنية والصحراء ويجوز الاستدبار فيهما ، وهو إحدى الروايتين عن أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه .

                                                                                                                                                                                  الرابع : أنه يحرم الاستقبال والاستدبار في الصحراء دون البنيان ، وبه قال مالك والشافعي وإسحاق وأحمد في رواية ، وهو مروي عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم ، واستدلوا بحديث ابن عمر رضي الله عنهما الآتي ذكره عن قريب إن شاء الله تعالى ، وهذه المذاهب الأربعة مشهورة عن العلماء ، ولم يذكر النووي في شرح المذهب غيرها ، وكذلك عامة شراح البخاري ، وهاهنا ثلاثة مذاهب أخرى منها جواز الاستدبار [ ص: 279 ] في البنيان فقط تمسكا بظاهر حديث ابن عمر ، وهو مروي عن أبي يوسف ، ومنها التحريم مطلقا حتى في القبلة المنسوخة ، وهي بيت المقدس ، وهو محكي عن إبراهيم وابن سيرين عملا بحديث معقل الأسدي المذكور عن قريب ، ومنها أن التحريم مختص بأهل المدينة ، ومن كان على سمتها ، وأما من كانت قبلته في جهة المشرق أو المغرب فيجوز له الاستقبال والاستدبار مطلقا لعموم قوله عليه الصلاة والسلام "شرقوا أو غربوا" قاله أبو عوانة صاحب المزني ، وبعكسه قال البخاري ، واستدل به على أنه ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة ، كما سيأتي في باب قبلة أهل المدينة في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : ادعى الخطابي الإجماع على عدم تحريم استقبال بيت المقدس لمن لا يستدبر في استقباله الكعبة . قلت : فيه نظر لما ذكرناه عن إبراهيم ومحمد بن سيرين ، وهو قول بعض الشافعية أيضا .

                                                                                                                                                                                  الثاني من الأحكام : فيه إكرام القبلة عن المواجهة بالنجاسة مطلقا تعظيما لها ولا سيما عند الغائط والبول .

                                                                                                                                                                                  الثالث : فيه المحافظة على الأدب ومراعاته في كل حال .

                                                                                                                                                                                  الرابع : استنبط ابن التين منه منع استقبال النيرين في حالة الغائط والبول ، وكأنه قاسه على استقبال القبلة ، وليس القياس بظاهر على ما لا يخفى .

                                                                                                                                                                                  ( فروع ) من آداب الاستنجاء الإبعاد إذا كان في براح من الأرض أو ضرب حجاب أو ستر وأعماق الآبار والحفائر ، وأن لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض ، جاء ذلك في حديث رواه أبو محمد الأعمش عن أنس عن أبي داود وتغطية الرأس ، كما كان أبو بكر رضي الله تعالى عنه يفعله ، وترك الكلام كفعل عثمان رضي الله تعالى عنه ، والاستنجاء باليسار ، وغسل اليد بعد الفراغ بالتراب ، رواه ابن حبان في صحيحه ، والاستجمار واجتناب الروث والرمة وأن لا يتوضأ في المغتسل ; لقوله عليه الصلاة والسلام "لا يبولن أحدكم في مغتسله" وينزع خاتمه إذا كان فيه اسم الله تعالى ، رواه النسائي ، وارتياد الموضع الدمث ، وأن لا يستقبل الشمس والقمر ، وأن لا يبول قائما ، ولا في طريق الناس ولا ظلهم ولا في الماء الراكد ومساقط الثمار وصفة الأنهار ، وأن يتكئ على رجله اليسرى وينثر ذكره ثلاثا .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية