الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر وفاة سليمان

لما أراد الله إلى سليمان الملك لبث فيه مطاعا ، والجن تعمل له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات وغير ذلك ويعذب من الشياطين من شاء ويطلب من شاء ، حتى إذا دنا أجله وكان عادته إذا صلى كل يوم رأى شجرة نابتة بين يديه ، فيقول : ما اسمك ؟ فتقول : كذا . فيقول : لأي شيء أنت ؟ فإن كانت لغرس غرست وإن كانت لدواء كتبت ، فبينما هو يصلي ذات يوم إذ رأى شجرة بين يديه فقال لها : ما اسمك ؟ فقالت : الخرنوبة . فقال لها : لأي شيء أنت ؟ قالت : لخراب هذا البيت - يعني بيت المقدس - فقال سليمان : ما كان الله ليخربه وأنا حي ، أنت التي على وجهك هلاكي وخراب البيت ! وقلعها ، ثم قال : اللهم عم على الجن موتي حتى يعلم الناس أن الجن لا يعلمون الغيب .

وكان سليمان يتجرد للعبادة في بيت المقدس السنة والسنتين والشهر والشهرين ، وأقل وأكثر ، يدخل معه طعامه وشرابه ، فأدخله في المرة التي توفي فيها ، فبينما هو قائم يصلي متوكئا على عصاه أدركه أجله فمات ، ولا تعلم به الشياطين ولا الجن ، وهم في ذلك يعملون خوفا منه ، فأكلت الأرضة عصاه فانكسرت فسقط ، فعلموا أنه مات ، وعلم الناس أن الجن لا يعلمون الغيب ولو علموا الغيب ما لبثوا في العذاب المهين [ ص: 211 ] ومقاساة الأعمال الشاقة .

ولما سقط أراد بنو إسرائيل أن يعلموا مذ كم مات ، فوضعوا الأرضة على العصا يوما وليلة فأكلت منها ، فحسبوا بنسبته فكان أكل تلك العصا في سنة ، ثم إن الشياطين قالوا للأرضة : لو كنت تأكلين الطعام لأتيناك بأطيب الطعام ، ولو كنت تشربين الشراب لأتيناك بأطيب الشراب ، ولكنا سننقل لك الماء والطين ، فهم ينقلون إليها ذلك حيث كانت . ألم تر إلى الطين يكون في وسط الخشبة ؟ فهو ما ينقلونه لها !

قيل : إن الجن والشياطين شكوا ما يلحقهم من التعب ، والنصب إلى بعض أولي التجربة منهم ، وقيل : كان إبليس ، فقال لهم : ألستم تنصرفون بأحمال وتعودون بغير أحمال ؟ قالوا : بلى . قال : فلكم في كل ذلك راحة ، فحملت الريح الكلام ، فألقته في أذن سليمان ، فأمر الموكلين بهم أنهم إذا جاءوا بالأحمال ، والآلات التي يبنى بها إلى موضع البناء ، والعمل يحملهم من هناك في عودهم ما يلقونه من المواضع التي فيها الأعمال ليكون أشق عليهم وأسرع في العمل ، فاجتازوا بذلك الذي شكوا إليه حالهم فأعلموه حالهم فقال لهم : انتظروا الفرج فإن الأمور إذا تناهت تغيرت ، فلم تطل مدة سليمان بعد ذلك حتى مات ، وكان مدة عمره ثلاثا وخمسين سنة ، وملكه أربعين سنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية