الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            [ ص: 456 ] [ ص: 457 ] 1 - الكتاب ص - الكتاب : القرآن ، وهو الكلام المنزل للإعجاز بسورة منه . وقولهم : " ما نقل بين دفتي المصحف تواترا " - حد للشيء بما يتوقف عليه ; لأن وجود المصحف ونقله فرع تصور القرآن .

            التالي السابق


            ش - لما كان الكتاب أصلا للأدلة الشرعية قدم ذكره . ثم قدم السنة على الإجماع ; لأنها أصله . ثم قدم الإجماع على القياس لكون الإجماع سالما عن الخطأ .

            وذكر في الكتاب مقدمة وثلاث مسائل وخاتمة . اعلم أن الكلام قد يطلق على الألفاظ الدالة على ما في النفس ، نقول : سمعت كلام فلان . وقد يطلق على مدلول الألفاظ ، وهي المعاني التي في النفس ، كما قيل :

            إن الكلام لفي الفؤاد وإنما = جعل اللسان على الفؤاد دليلا

            .

            [ ص: 458 ] والأصولي يبحث في الكلام بالمعنى الأول . والمتكلم يبحث في الكلام بالمعنى الثاني .

            ولذلك أعرض المصنف عن الكلام النفساني ، وقيد - في تعريف الكتاب الذي هو القرآن - الكلام بالمنزل ، ليخرج النفساني . وأيضا يخرج عنه كلام البشر .

            وقوله : للإعجاز ، وهو قصد إظهار صدق دعوى النبي الرسالة عن الله تعالى ، يخرج الكلام المنزل الذي ليس للإعجاز ، كالأحاديث الربانية والكتب المنزلة على الأنبياء إن لم نقل بكون نزولها للإعجاز .

            وقوله : " بسورة منه " وأراد بعضا مخصوصا يساوي في [ ص: 459 ] القدر ، الكوثر التي هي أقصر سورة ، يخرج الآية أو بعضها .

            وأيضا يخرج الكتب المنقولة التي هي غير القرآن إن قلنا : إن إنزالها للإعجاز ; لأنها وإن كانت للإعجاز لكن لم يكن الإعجاز بسورة منه . فصار هذا التعريف منطبقا على مجموع القرآن .

            ويلزم منه أن لا يسمى بعض القرآن ، قرآنا ، إلا بالمجاز .

            وقول الأصوليين في حد الكتاب : " ما نقل إلينا بين دفتي المصحف نقلا متواترا " حد للشيء بما يتوقف تصوره على ذلك الشيء . لأن معرفة ما نقل إلينا نقلا متواترا يتوقف على وجود المصحف ، وعلى ما نقل فيه ; لأن الذي نقل إلينا نقلا متواترا ، لا يتصور كونه منقولا إلا بعد وجود المصحف وبعد النقل . ووجود المصحف ونقله فرع تصور القرآن ; لأن وجود المصحف فرع على إثبات السور والآيات فيه . وإثباتها فرع على تصورها .

            وكذا النقل المضاف إلى ما بين دفتي المصحف لا يمكن إلا بعد تصوره ، فيكون معرفة ما نقل إلينا متواترا موقوفا على وجود المصحف [ ص: 460 ] ونقله ، وهما موقوفان على تصور القرآن ، فيكون معرفة ما نقل إلينا متواترا موقوفة على تصور القرآن . لأن الموقوف على الموقوف على الشيء موقوف على ذلك الشيء .

            فيكون تعريف القرآن به تعريفا للشيء بما يتوقف عليه . وهو باطل .

            قال بعض الشارحين في تقريره : " المصنف اعترض على هذا الحد بلزوم الدور ; فإن الحكم بوجود المصحف ونقله مسبوق بتصور القرآن ; لما عرف من أن التصديق مسبوق بالتصور . فلو عرف القرآن بهما لزم الدور " .

            وهذا الكلام مع مخالفته لما في المتن ، لا توجيه له أصلا . أما كونه مخالفا لما في المتن فلأن المصنف لم يقل : إن الحكم بوجود المصحف ونقله ، فرع تصور القرآن ، بل قال : وجود المصحف ونقله فرع تصور القرآن .

            أما أنه لا توجيه له أصلا ، فلأن قوله : " الحكم بوجود المصحف ونقله فرع تصور القرآن " غير مستقيم .

            قوله : " لما عرف أن التصديق مسبوق بالتصور " . قلنا : هذا مسلم به ولكن لا يفيد ههنا ; لأن الحكم بوجود المصحف مسبوق بتصور المصحف والوجود ، لا بتصور القرآن .

            [ ص: 461 ] وعلى تقدير أن يكون الحكم بوجود المصحف ونقله مسبوقا بتصور القرآن ، لا نسلم أنه لو عرف القرآن بالمصحف والنقل ، يلزم الدور . وإنما يلزم أن لو عرف القرآن بالحكم بوجود المصحف ونقله .

            واعلم أن التعريف الذي زيفه المصنف ذكره حجة الإسلام - رحمه الله - في المستصفى .

            ولقائل أن يدفع التزييف بالعناية بأن يقول : هذا التعريف إنما ذكره لغير المثبت . والإثبات والنقل لا يستدعيان تصور القرآن إلا بالنسبة إلى المثبت .




            الخدمات العلمية