الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : فإذا شجه موضحة فبرئ حلق موضعها من رأس الشاج ثم شق بحديدة قدر عرضها وطولها فإن أخذت رأس الشاج كله وبقي شيء منه أخذ منه أرشه .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وإذا قد مضى القصاص في النفس فما دونها ضربان : طرف يقطع بطرف ، وجرح يشق بجرح .

                                                                                                                                            فأما القصاص في الأطراف فقد مضى وجوبه ، وسيأتي استيفاؤه .

                                                                                                                                            وأما الجراح فقدم الشافعي فيه شجاج الرأس وهي إحدى عشرة شجة في قول الأكثرين :

                                                                                                                                            الحارصة .

                                                                                                                                            والدامية .

                                                                                                                                            والدامعة .

                                                                                                                                            والباضعة .

                                                                                                                                            والمتلاحمة .

                                                                                                                                            والسمحاق .

                                                                                                                                            [ ص: 150 ] والموضحة .

                                                                                                                                            والهاشمة .

                                                                                                                                            والمنقلة .

                                                                                                                                            والمأمومة .

                                                                                                                                            والدامغة .

                                                                                                                                            فأما الحارصة : فهي التي تحرص جلد الرأس أي تكشطه ولا تدميه ، مأخوذ من قولهم حرص القصار الثوب : إذا شقه .

                                                                                                                                            ثم تليها الدامية : وهي التي تخدش الجلد حتى يدمي ، ولا يجري .

                                                                                                                                            ثم تليها الدامعة وهي التي يجري دمها كجريان الدموع .

                                                                                                                                            ثم تليها الباضعة ، وهي التي تبضع اللحم أي : تشقه .

                                                                                                                                            ثم تليها المتلاحمة ، وهي التي تغوص في اللحم ، وقد يسميها أهل المدينة البازلة ، لأنها تبزل أي يشق فيها اللحم ، ويحتمل أن تكون البازلة بين الباضعة والمتلاحمة ، وهي التي يتبزل الدم منها فتكون أقوى من الدامعة ، لأن دم البازلة ما اتصل ، ودم الدامعة ما انقطع ، وهذا أشبه بالمعنى والاشتقاق ، فيصير الشجاج على هذا اثنتي عشرة شجة .

                                                                                                                                            ثم تليها السمحاق وهي التي تستوعب جميع اللحم حتى تصل إلى سمحاق الرأس ، وهي جلدة رقيقة تغشى عظم الرأس ، مأخوذة من سماحيق البطن وهو الشحم الرقيق ، وغير سماحيق إذا كان رقيقا وقد يسميها أهل المدينة الملطا ، ومنهم من جعلها بين المتلاحمة والسمحاق فيصير الشجاج ثلاث عشرة شجة .

                                                                                                                                            ثم تليها الموضحة : وهي التي توضح عظم الرأس حتى يظهر .

                                                                                                                                            ثم تليها الهاشمة : وهي التي تزيد على الموضحة حتى تهشم العظم : أي تكسره ، ومنهم من يجعل بين الموضحة والهاشمة شجة تسمى المفرشة ، وهي التي إذا أوضحت صدعت الرأس ولم تهشمه ، فيصير شجاج الرأس على هذا أربع عشرة شجة .

                                                                                                                                            ثم تليها المنقلة : وهي التي تزيد على الهاشمة بنقل العظام من مكان إلى مكان .

                                                                                                                                            ثم تليها المأمومة ، ويقال لها الآمة : وهي التي تصل إلى أم الدماغ وهي جلدة رقيقة محيطة بالدماغ .

                                                                                                                                            ثم تليها الدامغة ، وهي التي خرقت غشاوة الدماغ حتى وصلت إلى مخه .

                                                                                                                                            فهذه إحدى عشرة شجة في قول الأكثرين منها ستة قبل الموضحة وأربعة بعدها ، وهي أربع عشرة شجة في قول آخرين ، منها ثمانية قبل الموضحة ، وخمسة بعدها ، [ ص: 151 ] وليس فيما قبل الموضحة قصاص ولا أرش مقدر ، وفيها حكومة على ما سنذكره فيما بعد ، وليس فيما بعد الموضحة قصاص ، وفيها أرش مقدر إلا المفرشة على قول من زادها ففي الزيادة على الموضحة منها حكومة غير مقدرة .

                                                                                                                                            فأما الموضحة فيجتمع فيها القصاص إن شاء والأرش المقدر إن عدل إليه على ما سنذكره ، فصارت الشجاج منقسمة على هذه الأقسام الثلاثة :

                                                                                                                                            قسم لا قصاص فيه ولا يتقدر أرشه ، وهو ما قبل الموضحة ، ويجب فيه حكومة على ما سنذكره من حكمها .

                                                                                                                                            وقسم لا يجب فيه القصاص ويتقدر أرشه وهو بعد الموضحة فيجب في الهاشمة عشر من الإبل ، وفي المنقلة خمسة عشر بعيرا ، وفي المأمومة ثلث الدية ، ثلاثة وثلاثون بعيرا وثلث ، وكذلك في الدامغة ، وكتاب أبي العباس بن سريج يجعل الدامغة والمأمومة سواء ، ويجعلها الدامغة غير معممة وهي الثالثة التي تلي الدامية ، ولقوله وجه ، لأنها لو زادت على المأمومة لزادت على أرشها .

                                                                                                                                            وقسم يجب فيه القصاص ويتقدر أرشه وهو الموضحة يجب فيها خمس من الإبل .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية