الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 1618 ] القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا [142]

                                                                                                                                                                                                                                      إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم أي: يفعلون ما يفعل المخادع من إظهار الإيمان وإبطان الكفر، والله يفعل بهم ما يفعل الغالب في الخداع، حيث تركهم معصومي الدماء والأموال في الدنيا، وأعد لهم الدرك الأسفل من النار في الآخرة.

                                                                                                                                                                                                                                      وإذا قاموا إلى الصلاة أي: أتوها قاموا كسالى أي: متثاقلين كالمكره على الفعل.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن كثير : هذه صفة المنافقين في أشرف الأعمال وأفضلها وخيرها وهي الصلاة، إذا قاموا إليها قاموا وهم كسالى عنها؛ لأنهم لا نية لهم فيها، ولا إيمان لهم بها ولا خشية، ولا يعقلون معناها.

                                                                                                                                                                                                                                      كما روى ابن مردويه، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس قال: يكره أن يقوم الرجل إلى الصلاة وهو كسلان ، ولكن يقوم إليها طلق الوجه، عظيم الرغبة، شديد الفرح، فإنه يناجي الله، وإن الله تجاهه يغفر له، ويجيبه إذا دعاه، ثم يتلو هذه الآية: وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الحاكم: وفي الآية دلالة على أن من علامات المنافق الكسل في الصلاة، والكسل: التثاقل عن الشيء لمشقته، فهذه الآية في صفة ظواهرهم كما قال: ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى [التوبة: 54].

                                                                                                                                                                                                                                      ثم ذكر تعالى صفة بواطنهم الفاسدة يراءون الناس أي: يقصدون بصلاتهم الرياء والسمعة ليحسبوهم مؤمنين، لا لإخلاص ومطاوعة أمر الله، ولهذا يتخلفون كثيرا عن الصلاة التي لا يرون فيها – غالبا - كصلاة العشاء في وقت العتمة، وصلاة الصبح في [ ص: 1619 ] وقت الغلس، كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن أثقل الصلاة على المنافقين العشاء والفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار وفي رواية: والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقا سمينا أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء، ولولا ما في البيوت من النساء والذرية لحرقت عليهم بيوتهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وروى الحافظ وأبو يعلى ، عن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أحسن الصلاة حيث يراه الناس، وأساءها حيث يخلو - فتلك استهانة استهان بها ربه عز وجل .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولا يذكرون الله إلا قليلا فيه وجوه:

                                                                                                                                                                                                                                      الأول: معناه ولا يصلون إلا قليلا؛ لأنهم إنما يصلون رياء ما دام من يرقبهم، فإذا خلوا بأنفسهم لم يصلوا. وتأويل (الذكر) بالصلاة روي في غيرما آية عن السلف.

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني: ولا يذكرون الله في صلاتهم إلا قليلا؛ لأنهم لا يخشعون ولا يدرون ما يقولون، بل هم في صلاتهم ساهون لاهون.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد روى الإمام مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: تلك صلاة [ ص: 1620 ] المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق: يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان، قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا وكذا رواه مسلم والترمذي والنسائي .

                                                                                                                                                                                                                                      الثالث: معناه: ولا يذكرون الله بالتهليل والتسبيح إلا ذكرا قليلا في الندرة، على أن الذكر بمعناه المتبادر منه وعليه، فمن علامات النفاق استغراق الأوقات بحديث الدنيا، وقلة ذكره تعالى بتحميد أو تهليل أو تسبيح، كما أن من صفات المؤمنين ذكر الله تعالى كثيرا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية