الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه ) الإشارة بهذا قيل : إلى التحميم والجلد في الزنا . وقيل : إلى قبول الدية في أمر القتل . وقيل : على إبقاء عزة النضير على قريظة ، وهذا بحسب الاختلاف المتقدم في سبب النزول . وقال الزمخشري : إن أوتيتم ، هذا المحرف المزال عن مواضعه فخذوه واعلموا أنه الحق ، واعملوا به . انتهى . وهو راجع لواحد مما ذكرناه ، والفاعل المحذوف هو الرسول ; أي : إن أتاكم الرسول هذا .

( وإن لم تؤتوه فاحذروا ) أي : وإن أفتاكم محمد بخلافه فاحذروا وإياكم من قبوله فهو الباطل والضلال . وقيل : فاحذروا أن تعلموه بقوله السدي . وقيل : أن تطلعوه على ما في التوراة فيأخذكم بالعمل به . وقيل : فاحذروا أن تسألوه بعدها ، والظاهر الأول لأنه مقابل لقوله : فخذوه . فالمعنى : وإن لم تؤتوه وأتاكم بغيره فاحذروا قبوله .

( ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا ) قال الحسن وقتادة : فتنته ; أي : عذابه بالنار . ومنه يوم هم على النار يفتنون ; أي : يعذبون ; وقال الزجاج : فضيحته ; وقيل : اختباره لما يظهر به أمره ; وقيل : إهلاكه ; وقال ابن عباس ومجاهد : كفره وإضلاله ، يقال : فتنه عن دينه صرفه عنه ، وأصله فلن يقدر على دفع ما يريد الله منه . وقال الزمخشري : ومن يرد الله فتنته : تركه مفتونا وخذلانه ، فلن تستطيع له من لطف الله وتوفيقه شيئا . انتهى . وهذا على طريقة الاعتزال . وهذه الجملة جاءت تسلية للرسول وتخفيفا عنه من ثقل حزنه على مسارعتهم في الكفر . وقطعا لرجائه من فلاحهم .

( أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم ) أي : سبق لهم في علم الله ذلك ، وأن يكونوا مدنسين بالكفر . وفي هذا وما قبله رد على القدرية والمعتزلة . وقال الزمخشري : أولئك الذين لم يرد الله أن يمنحهم من ألطافه ما يطهر به قلوبهم ، لأنهم ليسوا من أهلها لعلمه أنها لا تنفع ولا تنجع فيها . إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم . انتهى . وهو على مذهبه الاعتزالي .

( لهم في الدنيا خزي ) أي : ذل وفضيحة . فخزي المنافقين بهتك سترهم ، وخوفهم من القتل إن اطلع على كفرهم المسلمون ، وخزي اليهود : تمسكنهم وضرب الجزية عليهم ، وكونهم في أقطار الأرض تحت ذمة غيرهم وفي إيالته . وقال مقاتل : خزي قريظة بقتلهم وسبيهم ، وخزي بني النضير بإجلائهم .

( ولهم في الآخرة عذاب عظيم ) وصف بالعظم لتزايده ; فلا انقضاء له ، أو لتزايد ألمه أو لهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية