الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم وأمرت أن أكون من المؤمنين

هذا وعيد وحض على الإيمان، أي: إذا لجوا في الكفر حل بهم العذاب، وإذا آمنوا نجوا، هذه سنة الله في الأمم الخالية، فهل عند هؤلاء غير ذلك؟. وهو استفهام بمعنى التوقيف.

وفي قوله تعالى: قل فانتظروا مهادنة ما، وهي من جملة ما نسخه القتال.

وقوله تعالى: ثم ننجي رسلنا الآية، لما كان العذاب لم تحصر مدته وكان النبي والمؤمنون بين أظهر الكفرة وقع التصريح بأن عادة الله عز وجل سلفت بإنجاء رسله ومتبعيهم، فالتخويف -على هذا- أشد، وكلهم قرأ: "ننجي" مشددة الجيم إلا الكسائي وحفصا عن عاصم فإنهما قرآ: "ننجي" بسكون النون وتخفيف الجيم، وقرأ عاصم في سورة الأنبياء في بعض ما روي عنه: "نجي" بضم النون وحذف الثانية وشد الجيم، كأن النون أدغمت فيها، وهي قراءة لا وجه لها، ذكر ذلك الزجاج . [ ص: 533 ] وحكى أبو حاتم نحوها عن الأعمش ، وخط المصحف في هذه اللفظة "ننج" بجيم مطلقة دون ياء، وكذلك قرأ الكسائي في سورة مريم: "ثم ننجي الذين اتقوا" بسكون النون وتخفيف الجيم، والباقون بفتح النون وشد الجيم، والكاف في قوله: كذلك يصح أن تكون في موضع رفع، ويصح أن تكون في موضع نصب نعتا لمصدر محذوف.

وقوله تعالى: قل يا أيها الناس الآية، مخاطبة عامة للناس أجمعين إلى يوم القيامة، يدخل تحتها كل من اتصف بالشك في دين الإسلام، وهذه الآية يتسق معناها بمحذوفات يدل عليها هذا الظاهر الوجيز، والمعنى: إن كنتم في شك من ديني فأنتم لا تعبدون الله، كذلك فليس هو بأهل أن يشك فيه، وإنما يشك في دينكم ويرفض، وأما لا أعبد أحدا غيره، فاقتضت فصاحة الكلام وإيجازه اختصار هذا كله، ثم صرح بمعبوده وخص من أوصافه الذي يتوفاكم لما فيها من التذكير للموت وقرع النفوس به، والمصير إلى الله بعده، والنقد للأصنام التي كانوا يعتقدونها ضارة ونافعة.

التالي السابق


الخدمات العلمية