الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر عمر ابن الزبير وسيرته

كان له من العمر حين قتل اثنتان وسبعون سنة ، وكانت خلافته تسع سنين ، لأنه بويع له سنة أربع وستين ، وكانت له جمة مفروقة طويلة .

قال يحيى بن وثاب : كان ابن الزبير إذا سجد وقعت العصافير على ظهره ، تظنه حائطا لسكونه وطول سجوده . وقال غيره : قسم عبد الله الدهر ثلاث حالات : فليلة قائم حتى الصباح ، وليلة راكع حتى الصباح ، وليلة ساجد حتى الصباح .

وقيل : أول ما علم من همة ابن الزبير أنه كان ذات يوم يلعب مع الصبيان وهو صبي ، فمر به رجل فصاح عليهم ففروا ، ومشى ابن الزبير القهقرى وقال : يا صبيان ، اجعلوني أميركم ، وشدوا بنا عليه . ففعلوا . ومر به عمر بن الخطاب وهو يلعب ، ففر [ ص: 408 ] الصبيان ووقف هو ، فقال له عمر : ما لك لم تفر معهم ؟ فقال : لم أجرم فأخافك ، ولم تكن الطريق ضيقة فأوسع لك .

وقال قطن بن عبد الله : كان ابن الزبير يواصل من الجمعة إلى الجمعة . قال خالد بن أبي عمران : كان ابن الزبير يفطر في الشهر ثلاثة أيام ، ومكث أربعين سنة لم ينزع ( ثيابه عن ظهره ) .

وقال مجاهد : لم يكن باب من أبواب العبادة يعجز عنه الناس إلا تكلفه ابن الزبير ، ولقد جاء سيل طبق البيت ، فجعل ابن الزبير يطوف سباحة . قال هشام بن عروة : كان أول ما أفصح به عمي عبد الله بن الزبير وهو صغير - السيف ، فكان لا يضعه من يده ، فكان الزبير يقول : والله ليكونن لك منه يوم وأيام . قال ابن سيرين : قال ابن الزبير : ما شيء كان يحدثنا به كعب إلا وقد جاء على ما قال إلا قوله : فتى ثقيف يقتلني ، وهذا رأسه بين يدي - يعني المختار - . قال ابن سيرين : ولا يشعر ابن الزبير أن الحجاج قد خبئ له .

وقال عبد العزيز بن أبي جميلة الأنصاري : إن ابن عمر مر بابن الزبير وهو مصلوب بعد قتله فقال : رحمك الله أبا خبيب ! إنك كنت لصواما قواما ، ولقد أفلحت قريش إن كنت شرها .

وكان الحجاج قد صلبه ، ثم ألقاه في مقابر اليهود ، وأرسل إلى أمه يستحضرها ، فلم تحضر ، فأرسل إليها : لتأتيني أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك . فلم تأته ، فقام إليها . فلما حضر قال لها : كيف رأيتني صنعت بعبد الله ؟ قالت : رأيتك أفسدت على ابني دنياه ، وأفسد عليك آخرتك ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدثناأن في ثقيف ( كذابا ومبيرا ، فأما الكذاب ) فقد رأيناه - تعني المختار - وأما المبير فأنت هو . وهذا حديث صحيح أخرجه مسلم في صحيحه .

[ ص: 409 ] وقال ابن الزبير لعبد الله بن جعفر : أتذكر يوم لقينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا وأنت ، فأخذ ابني فاطمة ؟ فقال : نعم فحملنا وتركك . ولو علم أنه يقول له هذا ما سأله .

التالي السابق


الخدمات العلمية