الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
فصل

شرك الوساطة

ووقعت مسألة وهي : أن المشرك إنما قصده تعظيم جناب الرب تبارك وتعالى ، وأنه لعظمته لا ينبغي الدخول عليه إلا بالوسائط والشفعاء كحال الملوك ، فالمشرك لم يقصد الاستهانة بجناب الربوبية ، وإنما قصد تعظيمه ، وقال : إنما أعبد هذه الوسائط لتقربني إليه وتدلني وتدخلني عليه ، فهو المقصود وهذه وسائل وشفعاء ، فلم كان هذا القدر موجبا لسخطه وغضبه تبارك وتعالى ، ومخلدا في النار ، وموجبا لسفك دماء أصحابه ، واستباحة حريمهم وأموالهم ؟

وترتب على هذا سؤال آخر ، وهو أنه هل يجوز أن يشرع الله سبحانه لعباده التقرب إليه بالشفعاء والوسائط ، فيكون تحريم هذا إنما استفيد من الشرع ، أم ذلك قبيح في الفطر والعقول ، يمتنع أن تأتي به شريعة ؟ بل جاءت الشرائع بتقرير ما في الفطر والعقول من قبحه الذي هو أقبح من كل قبيح ؟ وما السبب في كونه لا يغفره من دون سائر الذنوب ؟ كما قال تعالى : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [ سورة النساء : 48 ]

فتأمل هذا السؤال ، واجمع قلبك وذهنك على جوابه ولا تستهونه ، فإن به يحصل الفرق بين المشركين والموحدين ، والعالمين بالله والجاهلين به ، وأهل الجنة وأهل النار .

نوعا الشرك

فنقول ، وبالله التوفيق والتأييد ، ومنه نستمد المعونة والتسديد ، فإنه من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، ولا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع .

الشرك شركان :

شرك يتعلق بذات المعبود وأسمائه وصفاته وأفعاله .

وشرك في عبادته ومعاملته ، وإن كان صاحبه يعتقد أنه سبحانه لا شريك له في ذاته ، ولا في صفاته ، ولا في أفعاله .

[ ص: 130 ] والشرك الأول نوعان :

أحدهما : شرك التعطيل : وهو أقبح أنواع الشرك ، كشرك فرعون إذ قال : وما رب العالمين [ سورة الشعراء : 23 ] .

وقال تعالى مخبرا عنه أنه قال لهامان : وقال فرعون ياهامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا [ سورة غافر : 36 - 37 ] فالشرك والتعطيل متلازمان : فكل مشرك معطل وكل معطل مشرك ، لكن الشرك لا يستلزم أصل التعطيل ، بل يكون المشرك مقرا بالخالق سبحانه وصفاته ، ولكنه معطل حق التوحيد .

التعطيل

وأصل الشرك وقاعدته التي يرجع إليها ، هو التعطيل ، وهو ثلاثة أقسام :

تعطيل المصنوع عن صانعه وخالقه .

وتعطيل الصانع سبحانه عن كماله المقدس ، بتعطيل أسمائه وصفاته وأفعاله .

وتعطيل معاملته عما يجب على العبد من حقيقة التوحيد .

ومن هذا شرك طائفة أهل وحدة الوجود الذين يقولون : ما ثم خالق ومخلوق ولا هاهنا شيئان ، بل الحق المنزه هو عين الخلق المشبه . ومنه شرك الملاحدة القائلين بقدم العالم وأبديته ، وأنه لم يكن معدوما أصلا ، بل لم يزل ولا يزال ، والحوادث بأسرها مستندة عندهم إلى أسباب ووسائط اقتضت إيجادها ، ويسمونها بالعقول والنفوس . ومن هذا شرك من عطل أسماء الرب تعالى وأوصافه وأفعاله من غلاة الجهمية والقرامطة ، فلم يثبتوا له اسما ولا صفة ، بل جعلوا المخلوق أكمل منه ، إذ كمال الذات بأسمائها وصفاتها .

التالي السابق


الخدمات العلمية