الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        7375 - حدثنا أبو بكرة ، قال : ثنا أبو عمر ، قال : ثنا أبو عوانة ، عن منصور بن المعتمر ، قال : قال إبراهيم النخعي : إذا زادت الإبل على عشرين ومائة ردت إلى أول الفرض .

                                                        فإن احتج أهل المقالة الثانية لمذهبهم ، فقالوا : معنى الآثار المتصلة شاهدة لقولنا ، وليس ذلك مع مخالفنا .

                                                        قيل لهم : أما على مذهبكم فأكثرها لا يجب لكم به الحجة على مخالفكم ؛ لأنه لو احتج عليكم بمثل ذلك لم تسوغوه إياه ، ولجعلتموه باحتجاجه بذلك عليكم جاهلا بالحديث .

                                                        فمن ذلك أن حديث ثمامة بن عبد الله إنما وصله عبد الله بن المثنى وحده ، لا نعلم أحدا وصله غيره .

                                                        وأنتم لا تجعلون عبد الله بن المثنى حجة .

                                                        ثم قد جاء حماد بن سلمة ، وقدره عند أهل العلم في العلم أجل من قدر عبد الله بن المثنى ، وهو ممن يحتج به ، فروى هذا الحديث عن ثمامة منقطعا .

                                                        فكان يجيء على أصولكم أن يكون هذا الحديث يجب أن يدخل في معنى المنقطع ، ويخرج من معنى [ ص: 378 ] المتصل ؛ لأنكم تذهبون إلى أن زيادة غير الحافظ على الحافظ ، غير ملتفت إليها .

                                                        وأما حديث الزهري ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، فإنما رواه عن الزهري سليمان بن داود .

                                                        وقد سمعت ابن أبي داود يقول : سليمان بن داود هذا وسليمان بن داود الحراني عندهم ضعيفان جميعا .

                                                        وسليمان بن داود الذي يروي عن عمر بن عبد العزيز عندهم ثبت .

                                                        ومما يدل أيضا على وهاء هذا الحديث ، أن أصحاب الزهري المأخوذ علمه عنهم ، مثل يونس بن يزيد ، ومن روى عن الزهري في ذلك شيئا ، إنما روى عنه الصحيفة التي عند آل عمر رضي الله عنه .

                                                        أفترى الزهري يكون فرائض الإبل عنده ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه ، عن جده ، وهم جميعا أئمة وأهل علم مأخوذ عنهم - فيسكت عن ذلك ، ويضطره الأمر إلى الرجوع إلى صحيفة عمر غير مروية ، فيحدث الناس بها ؟ هذا عندنا مما لا يجوز على مثله .

                                                        فإن قال قائل : فإن حديث معمر عن عبد الله بن أبي بكر حديث متصل ، لا مطعن لأحد فيه .

                                                        قيل له : ما هو بمتصل ؛ لأن معمرا إنما رواه عن عبد الله بن أبي بكر ، عن أبيه ، عن جده ، وجده محمد بن أبي بكر ، وهو لم ير النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا ولد إلا بعد أن كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الكتاب لأبيه ؛ لأنه إنما ولد بنجران ، قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم سنة عشر من الهجرة ، ولم ينقل في هذا الحديث إلينا أن محمد بن عمرو بن حزم روى هذا الحديث عن أبيه .

                                                        فقد ثبت انقطاع هذا الحديث أيضا ، والمنقطع فأنتم لا تحتجون به .

                                                        فقد ثبت أن كل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب منقطع .

                                                        فإن كنتم لا تسوغون لمخالفكم الاحتجاج بالمنقطع ، في غير هذا الباب ، فلم تحتجون عليه في هذا الباب ؟ فلئن وجب أن يكون عدم الاتصال في موضع من المواضع يزيل قبول الخبر ، إنه ليجب أن يكون كذلك هو ، في كل المواضع .

                                                        ولئن وجب أن يقبل الخبر ، وإن لم يتصل إسناده ؛ لثقة من صمد به إليه في باب واحد ، إنه ليجب أن يقبل في كل الأبواب .

                                                        فإن قال قائل : أما حديث عمرو بن حزم فقد اضطرب واختلف فيه ، فلا حجة فيه لواحد من أهل هذه المقالات ، وغيره مما روي في هذا الباب أولى منه .

                                                        قيل له : ومن أين اضطرب حديث عمرو بن حزم ؟

                                                        أما قيس بن سعد قد رواه عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، على ما قد ذكرنا عنه ، وقيس حجة حافظ .

                                                        [ ص: 379 ] وأما حديث الزهري الذي خالفه ، فإنما رواه عن الزهري ، من لا تقبلون أنتم روايته عن الزهري ؛ لضعفه عندكم .

                                                        وأما حديث معمر فإنما رواه عن عبد الله بن أبي بكر ، عن أبيه ، وعبد الله بن أبي بكر ليس في الثبت والإتقان كقيس بن سعد .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية