الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ) قال الزهري وغيره : سبب نزولها قصة عبد الله بن أبي واستمساكه بحلف يهود ، وتبرؤ عبادة بن الصامت من حلفهم عند انقضاء بدر ، وعبادة في قصة فيها طول هذا ملخصها . وقال عكرمة : سببها : أمر أبي لبابة بن عبد المنذر وإشارته إلى قريظة أنه الذبح حين استفهموه عن رأيه في نزولهم عن حكم سعد بن معاذ . وقال السدي : لما نزل بالمسلمين أمر أحد فزع منهم قوم ، وقال بعضهم لبعض : نأخذ من اليهود عهدا يعاضدونا إن ألمت بنا قاصمة من قريش أو سائر العرب . وقال آخرون : بل نلحق بالنصارى فنزلت . وقيل : هي عامة في المنافقين أظهروا الإيمان وظاهروا اليهود والنصارى .

نهى تعالى المؤمنين عن موالاة اليهود والنصارى ينصرونهم ويستنصرون بهم ، ويعاشرونهم معاشرة المؤمنين ; وقراءة أبي وابن عباس : أربابا مكان أولياء ، بعضهم أولياء بعض ; جملة معطوفة من النهي ، مشعرة بعلة الولاية وهو : اجتماعهم في الكفر والممالأة على المؤمنين ، والظاهر أن الضمير في بعضهم يعود على اليهود والنصارى . وقيل : المعنى على أن ثم محذوفا ; والتقدير : بعض اليهود أولياء بعض ، وبعض النصارى أولياء بعض ، لأن اليهود ليسوا أولياء النصارى ، ولا النصارى أولياء اليهود ، ويمكن أن يقال : جمعهم في الضمير على سبيل الإجمال ، ودل ما بينهم من المعاداة على التفصيل ، وأن بعض اليهود لا يتولى إلا جنسه ، وبعض النصارى كذلك . قال الحوفي : هي جملة من مبتدأ وخبر في موضع النعت لأولياء ، والظاهر أنها جملة مستأنفة لا موضع لها من الإعراب .

( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) قال ابن عباس : فإنه منهم في حكم الكفر ; أي : ومن يتولهم في الدين . وقال غيره : ومن يتولهم في الدنيا فإنه منهم في الآخرة . وقيل : ومن يتولهم منكم في العهد فإنه منهم في مخالفة الأمر ; وهذا تشديد عظيم في الانتفاء من أهل الكفر ، وترك موالاتهم ، وإنحاء عبد الله بن أبي ومن اتصف بصفته . ولا يدخل في الموالاة لليهود والنصارى من غير مضافاة ، ومن تولاهم بأفعاله دون معتقده ولا إخلال بإيمان : فهو منهم في المقت والمذمة ، ومن تولاهم في المعتقد : فهو منهم في الكفر . وقد استدل بهذا ابن عباس وغيره على جواز أكل ذبائح نصارى العرب ، وقال : من دخل في دين قوم فهو منهم . وسئل ابن سيرين عن رجل يبيع داره لنصراني ليتخذها كنيسة : فتلا هذه الآية . وفي الحديث : " لا تراءى ناراهما " وقال عمر لأبي موسى في كاتبه النصراني : لا تكرموهم إذ أهانهم الله ، ولا تأمنوهم إذ خونهم الله ، ولا تدنوهم إذ أقصاهم الله تعالى . وقال له أبو موسى لا قوام للبصرة إلا به ، فقال عمر : مات النصراني والسلام .

( إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) ظاهره العموم ، والمعنى على الخصوص ; أي : من سبق في علم الله أنه لا يهتدي . قال ابن عطية : أو يراد التخصيص مدة الظلم والتلبس بفعله ، فإن الظلم لا هدى فيه ، والظالم من حيث هو ظالم ليس بمهتد في ظلمه . وقال أبو العالية : الظالم من أبى أن يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وقال ابن إسحاق : أراد المنافقين . وقيل : الظالم هو الذي وضع الولاية في غير موضعها . وقال الزمخشري قريبا من هذا ، قال : يعني الذين ظلموا أنفسهم بموالاة الكفر يمنعهم الله ألطافه ، ويخذلهم مقتا لهم . انتهى . وهو على طريقة الاعتزال .

التالي السابق


الخدمات العلمية