الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6193 6194 6195 6196 6197 6198 ص: واحتجوا في ذلك بما روي عن رسول الله -عليه السلام- في غير هذا الحديث: حدثنا محمد بن بحر بن مطر البغدادي ، قال: ثنا شجاع بن الوليد ، قال: حدثني زياد بن خيثمة ، قال: ثنا أبو إسحاق ، عن شريح بن النعمان ، عن علي -رضي الله عنه- عن رسول الله -عليه السلام- قال: لا يضحى بمقابلة ولا مدابرة ، ولا خرقاء ، ولا شرقاء ، ولا عوراء". .

                                                حدثنا روح بن الفرج ، قال: ثنا عمرو بن خالد ، قال: ثنا زهير بن معاوية ، قال: ثنا أبو إسحاق ، عن شريح بن النعمان ، - قال: أبو إسحاق : وكان رجل صدق - عن علي ، عن النبي -عليه السلام- مثله.

                                                حدثنا سليمان بن شعيب ، قال: ثنا عبد الرحمن بن زياد ، قال: ثنا شعبة ، عن قتادة ، قال: سمعت جري بن كليب ، قال: سمعت عليا -رضي الله عنه- يقول: " نهى رسول الله -عليه السلام- عن عضباء القرن والأذن. . قال قتادة: : فقلت لسعيد بن المسيب: : ما عضباء؟ قال: إذا كان النصف فأكثر من ذلك مقطوعا".

                                                [ ص: 497 ] حدثنا سليمان ، قال: ثنا علي بن معبد ، قال: ثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي إسحاق ، عن شريح بن النعمان الهمداني ، عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، قال: " نهى رسول الله -عليه السلام- أن يضحى بمقابلة ، أو مدابرة أو شرقاء ، أو خرقاء ، أو جدعاء".

                                                حدثنا يونس ، قال: أنا ابن وهب ، قال: أخبرني سفيان الثوري ، عن سلمة بن كهيل ، عن حجية بن عدي ، عن علي بن أبي طالب قال: "أمرنا رسول الله -عليه السلام- أن نستشرف العين والأذن".

                                                حدثنا فهد ، قال: ثنا أبو نعيم ، قال: ثنا حسن بن صالح (ح).

                                                حدثنا فهد ، قال: ثنا محمد بن سعيد ، قال: أنا شريك ، قالا جميعا: عن سلمة بن كهيل ، عن حجية بن عدي ، قال: " أتى رجل عليا فسأله عن مكسورة القرن؟ فقال: لا يضرك. قال: عرجاء؟ قال: إذا بلغت المنسك أمرنا رسول الله -عليه السلام- أن نستشرف العين والأذن".

                                                قال: أبو جعفر: : ففي هذه الآثار النهي عن الأضحية بمقابلة ، أو مدابرة ، وذلك في الأذن، ما كان مشقوقا من قبالة الأذن فهي مقابلة ، وما كان من أسفلها فهي مدابرة، . وبين سعيد بن المسيب". عضباء الأذن المنهي عن ذبحها في الأضحية فقال: "هي المقطوعة نصف أذنها".

                                                فثبت بذلك ما نهى سعيد [عنه] من ذلك في الأذن ولم يجز لنا تركه؛ لأن حديث البراء الذي ذكرنا لا يخلو من أحد وجهين:

                                                إما أن يكون متقدما لحديث علي -رضي الله عنه- هذا فيكون حديث علي -رضي الله عنه- هذا زائدا عليه.

                                                أو يكون متأخرا عنه فيكون ناسخا فلما لم يعلم نسخ حديث علي -رضي الله عنه- بعدما قد علم ثبوته جعلناه ثابتا مع حديث البراء وأوجبنا العمل بهما جميعا.

                                                [ ص: 498 ]

                                                التالي السابق


                                                [ ص: 498 ] ش: أي احتج الآخرون فيما ذهبوا إليه بحديث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "لا يضحى بمقابلة..." الحديث؛ فإنه يدل على منع الأضحية بمقابلة ومدابرة، فقد زاد هذا على حديث البراء وليس هو أدنى ثبوتا من حديث البراء، فيضم إليه ويعمل بهما جميعا، ولم يعلم في ذلك تاريخ التقدم والتأخر حتى يجعل أحدهما ناسخا وليس بينهما تعارض فوجب العمل بهما.

                                                ثم إنه أخرج حديث علي بن أبي طالب من ستة طرق:

                                                الأول: عن محمد بن بحر بن مطر البغدادي البزاز ، عن شجاع بن الوليد بن قيس السكوني الكوفي الثقة، عن زياد بن خيثمة الجعفي الكوفي الثقة عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي ، عن شريح بن النعمان الصائدي الكوفي ، عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-.

                                                وأخرجه النسائي: أنا محمد بن آدم ، عن عبد [الرحيم] هو ابن سليمان عن زكريا بن أبي زائدة ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن شريح بن النعمان ، عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: أمرنا رسول الله -عليه السلام- أن نستشرف العين والأذن وأن لا نضحي بمقابلة ولا مدابرة ولا بتراء ولا خرقاء".

                                                فإن قيل: ما حال إسناده؟

                                                قلت: صحيح، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

                                                فإن قيل: إن أبا إسحاق لم يسمع من شريح بن النعمان وإنما سمع من ابن أشوع عنه وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن شريح بن النعمان وهبيرة بن يريم قال: ما أقربهما قلت: يحتج بحديثهما؟ قال: لا، هما شبيهان بالمجهولين.

                                                [ ص: 499 ] قلت: قد قال أبو إسحاق في شريح هذا: وكان رجل صدق. ووثقه ابن حبان أيضا فإذا كان كذلك فلم تبق فيه الجهالة، وتصحيح الترمذي هذا الحديث يدل على صحة سماع أبي إسحاق عن شريح، فافهم.

                                                الثاني: عن روح بن الفرج القطان المصري ، عن عمرو بن خالد الحراني نزيل مصر وشيخ البخاري ، عن زهير بن معاوية ، عن أبي إسحاق عمرو ، عن شريح ، عن علي -رضي الله عنه-.

                                                وهذا أيضا إسناد صحيح.

                                                وأخرجه أبو داود: ثنا عبد الله بن محمد النفيلي: ثنا زهير - هو ابن معاوية - ثنا أبو إسحاق - هو السبيعي - عن شريح بن النعمان - وكان رجل صدق - عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "أمرنا رسول الله -عليه السلام- أن نستشرف العين والأذن ولا نضحي بعوراء ولا مقابلة ولا مدابرة ولا خرقاء ولا شرقاء. قلت لأبي إسحاق: ما المقابلة؟ قال: يقطع طرف الأذن، قال: فما المدابرة؟ قال: يقطع مؤخر الأذن، قلت: فما الشرقاء؟ قال: تشق الأذن، قلت: فما الخرقاء؟ قال: تحزق أذنها".

                                                الثالث: عن سليمان بن شعيب الكيساني ، عن عبد الرحمن بن زياد الثقفي الرصاصي ، عن شعبة بن الحجاج ، عن قتادة ، عن جري بن كليب السدوسي ، عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-.

                                                وأخرجه البيهقي: من حديث شعبة ، عن قتادة ، عن جري بن كليب، سمع عليا -رضي الله عنه- يقول: "نهى رسول الله -عليه السلام- أن يضحى بعضباء الأذن والقرن، قال قتادة: سألت ابن المسيب عن العضب قال: النصف فما زاد".

                                                الرابع: عن سليمان بن شعيب الكيساني ، عن علي بن معبد بن شداد العبدي ، عن أبي بكر بن عياش بن سالم الكوفي الحناط - بالنون - المقرئ المختلف في اسمه،

                                                [ ص: 500 ] فقيل: محمد، وقيل: عبد الله، وقيل: سالم، وقيل: غير ذلك، والصحيح أن اسمه كنيته وهو يروي عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي ، عن شريح بن النعمان ، عن علي -رضي الله عنه-.

                                                وهذا إسناد جيد لا بأس به.

                                                أخرجه الترمذي: ثنا الحسن بن علي الخلال قال: ثنا يزيد بن هارون قال: نا شريك بن عبد الله ، عن أبي إسحاق ، عن شريح بن النعمان ، عن علي بن أبي طالب قال: "أمرنا رسول الله -عليه السلام- أن نستشرف العين والأذن وأن لا نضحي بمقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء".

                                                الخامس: عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن سفيان الثوري ، عن سلمة بن كهيل بن حصين الكوفي عن حجية بن عدي الكندي الكوفي ، عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-.

                                                وهذا إسناد صحيح.

                                                وأخرجه البيهقي بأتم منه: من حديث الثوري ، عن سلمة بن كهيل ، عن حجية بن عدي قال: "كنا عند علي -رضي الله عنه-، فأتاه رجل فقال: البقرة؟ قال: عن سبعة، قال: القرن؟ قال: لا يضرك، قال: العرجاء؟ قال: إذا بلغت المنسك أمرنا رسول الله -عليه السلام- أن نستشرف العين والأذن". قال البيهقي: ورواه حسن بن صالح ، عن سلمة، وفيه قال: "مكسورة القرن؟ قال: لا يضرك".

                                                السادس: عن فهد بن سليمان عن أبي نعيم الفضل بن دكين عن حسن بن صالح بن حي الهمداني الثوري الكوفي العابد عن سلمة بن كهيل عن حجية بن عدي عن علي بن أبي طالب .

                                                [ ص: 501 ] السابع: عن فهد بن سليمان عن محمد بن سعيد الأصبهاني شيخ البخاري ، عن شريك بن عبد الله ، عن سلمة بن كهيل ، عن حجية ... إلى آخره.

                                                قوله: "بمقابلة" قال ابن الأثير: وهي التي يقطع من طرف أذنها شيء ثم يترك معلقا كأنه زنمة واسم تلك السمة القبلة والإقبالة.

                                                قوله: "ولا مدابرة" المدابرة أن يقطع من مؤخر أذنها شيء ثم يترك معلقا كأنه زنمة، وقال الجوهري: شاة مقابلة قطعت من أذنها قطعة لم تبن وتركت معلقة من قدم فإن كانت من أخر فهي مدابرة، وقد فسره الطحاوي بقوله: "وذلك في الأذن ما كان مشقوقا من قبالة الأذن فهي مقابلة، وما كان من أسفلها فهي مدابرة" والباء في مقابلة ومدابرة مفتوحة على وزن صيغة المفعول.

                                                قوله: "ولا خرقاء" بالخاء المعجمة وهي الشاة التي في أذنها ثقب مستدير وأصله من الخرق وهو الشق.

                                                قوله: "ولا شرقاء" بالشين المعجمة والقاف وهي المشقوقة الأذن باثنين من شرق أذنها يشرقها شرقا إذا شقها، واسم السمة: الشرقة.

                                                قوله: "ولا عوراء" وهي الذاهبة إحدى عينيها.

                                                قوله في رواية النسائي: "ولا بتراء" وهي مقطوعة الذنب وكذا المبتورة.

                                                قوله: "غير عضباء القرن" بالعين المهملة والضاد المعجمة، قال ابن الأثير: "الأعضب القرن" وهو المكسور القرن وقد يكون العضب في الأذن إلا أنه في القرن أكثر، وقال الجوهري: العضباء: المكسورة القرن الداخل، وهو المشاش، ويقال: هي التي انكسر إحدى قرنيها، وقد عضبت بالكسر وأعضبتها أنا وكبش أعضب بين العضب، وناقة عضباء أي مشقوقة الأذن وكذلك الشاة، وأما ناقة رسول الله -عليه السلام- التي كانت تسمى عضباء فإنما كان ذلك لقبا لها ولم تكن مشقوق الأذن.

                                                [ ص: 502 ] قوله: "ولا جدعاء" الجدع قطع الأنف والأذن أو الشفة وهو بالأنف أخص فإذا أطلق غلب عليه.

                                                قوله: "أن نستشرف" أي: بأن نستشرف أي بالاستشراف وقال الترمذي: أي: ننظر أصحيحة أم لا، والاستشراف: أن تضع يدك على حاجبك وتنظر كالذي يستظل من الشمس حتى يستبين الشيء وأصله من الشرف: العلو، كأنه ينظر إليه من موضع مرتفع فيكون أكثر لإدراكه، والمعنى ها هنا: أن يتأمل سلامة العين والأذن من آفة تكون بهما، وقيل: هو من الشرفة، وهي خيار الآل، أي: أمرنا أن نتخيرها.

                                                قوله: "إذا بلغت المنسك" أي الذبح من نسك ينسك إذا ذبح والنسيكة الذبيحة وتجمع على نسك ثم المنسك بفتح السين وبكسرها وقد روي بهما في قوله تعالى: لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه




                                                الخدمات العلمية