الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      4055 حدثنا ابن نفيل حدثنا زهير حدثنا خصيف عن عكرمة عن ابن عباس قال إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصمت من الحرير فأما العلم من الحرير وسدى الثوب فلا بأس به

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( عن الثوب المصمت ) : بضم الميم الأولى وفتح الثانية المخففة وهو الذي جميعه حرير لا يخالطه قطن ولا غيره ، قاله ابن رسلان .

                                                                      وقال الطيبي : هو الثوب الذي يكون سداه ولحمته من الحرير لا شيء غيره ، ومفاد العبارتين واحد ( وسدى الثوب ) : بفتح السين والدال بوزن الحصى ، ويقال ستى بمثناة من فوق بدل الدال لغتان بمعنى واحد وهو [ ص: 82 ] خلاف اللحمة وهي التي تنسج من العرض وذاك من الطول ، والحاصل أنه إذا كان السدى من الحرير واللحمة من غيره كالقطن والصوف ( فلا بأس ) : لأن تمام الثوب لا يكون إلا بلحمته .

                                                                      والحديث يدل على جواز لبس ما خالطه الحرير إذا كان غير الحرير الأغلب وهو مذهب الجمهور .

                                                                      وذهب بعض الصحابة كابن عمر والتابعين كابن سيرين إلى تحريمه واستدلوا بحديث علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس القسي الحديث لتفسير القسي بأنه ما خالط غير الحرير فيه الحرير كما مر .

                                                                      قال الحافظ : الذي يظهر من سياق طرق الحديث في تفسير القسي أنه الذي يخالطه الحرير لا أنه الحرير الصرف .

                                                                      ومن أدلة الجمهور : الرخصة في العلم من الحرير في الثوب قالوا إذا جاز الحرير الخالص قدر أربع أصابع مما يمنع من الجواز إذا كان ذلك المقدار مفرقا كما في الثوب المختلط .

                                                                      قال ابن دقيق العيد : وهو قياس في معنى الأصل لكن لا يلزم من جواز ذلك جواز كل مختلط وإنما يجوز منه ما كان مجموع الحرير فيه قدر أربع أصابع لو كانت منفردة بالنسبة لجميع الثوب فيكون المنع من لبس الحرير شاملا للخالص والمختلط وبعد الاستثناء يقتصر على القدر المستثنى وهو أربع أصابع إذا كانت منفردة ، ويلتحق بها في المعنى ما إذا كانت مختلطة . واستدل ابن العربي للجواز أيضا بأن النهي عن الحرير حقيقة في الخالص والإذن في القطن ونحوه صريح ، فإذا خلطا بحيث لا يسمى حريرا بحيث لا يتناوله الاسم ولا تشمله علة التحريم خرج عن الممنوع فجاز .

                                                                      ومن أدلة الجمهور أنه قد ثبت لبس الخز عن جماعة من الصحابة كما مر ،

                                                                      والأصح في تفسير الخز أنه ثياب سداها من حرير ولحمتها من غيره . وفيه أن هذا أحد تفاسير الخز ، وقد سلف الاختلاف في تفسيره فما لم يتحقق أن الخز الذي لبسه الصحابة كان من المخلوط بالحرير لا يصح الاستدلال بلبسه على جواز لبس ما يخالطه الحرير ، كذا قرر الحافظ . قلت : قال في النهاية ما معناه إن الخز الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مخلوط من صوف وحرير ولكن قد ظهر لك مما سلف أن الخز حرام وأنه لا يثبت من لبس بعض الصحابة إباحته فما لم يتحقق أن لبس الخز مباح لا يصح الاستدلال بمجرد لبس بعض [ ص: 83 ] الصحابة إياه على إباحة لبس ما يخالطه الحرير .

                                                                      فإن قلت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلة السيراء إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة كما مر في حديث عمر وقد رأى علي الغضب في وجهه صلى الله عليه وسلم حين أتاه لابسا لها كما سلف في حديث علي ، فهذان الحديثان يدلان على تحريم المختلط ; لأن السيراء عند أهل اللغة هي التي يخالطها الحرير .

                                                                      قلت : قال الحافظ الذي يتبين أن السيراء قد تكون حريرا صرفا وقد تكون غير محض ، فالتي في قصة عمر جاء التصريح بأنها كانت من حرير محض ، ولهذا وقع في حديثه إنما يلبس هذه من لا خلاق له والتي في قصة علي لم تكن حريرا صرفا ، لما روى ابن أبي شيبة عن علي قال أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة مسيرة بحرير إما سداها أو لحمتها فأرسل بها إلي فقلت ما أصنع بها ألبسها قال لا أرضى لك إلا ما أرضى لنفسي ولكن اجعلها خمرا بين الفواطم قال ولم يقع في قصة علي وعيد على لبسها كما وقع في قصة عمر ، بل لا أرضى لك إلا ما أرضى لنفسي .

                                                                      قال ولا ريب أن ترك لبس ما خالطه الحرير أولى من لبسه عند من يقول بجوازه انتهى كلام الحافظ ملخصا .

                                                                      قال المنذري : في إسناده خصيف بن عبد الرحمن ، وقد ضعفه غير واحد انتهى كلام المنذري .

                                                                      قلت : وفي التقريب ما لفظه صدوق سيئ الحفظ خلط بآخره ، ورمي بالإرجاء انتهى .

                                                                      وفي الخلاصة : ضعفه أحمد ووثقه ابن معين وأبو زرعة ، وقال ابن عدي إذا حدث عنه ثقة فلا بأس به انتهى .

                                                                      وقال الحافظ في الفتح : والحديث أخرجه الطبراني بسند حسن ، وأخرجه الحاكم بسند صحيح . [ ص: 84 ]




                                                                      الخدمات العلمية