الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإذا صعد الإمام المنبر جلس وأذن المؤذنون بين يدي المنبر ) بذلك جرى التوارث ولم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا هذا الأذان ، ولهذا قيل : هو المعتبر في وجوب السعي وحرمة البيع ، والأصح أن المعتبر هو الأول إذا كان بعد الزوال لحصول الإعلام به ، والله أعلم .

التالي السابق


( قوله : ولم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا هذا الأذان ) أخرج الجماعة إلا مسلما عن السائب بن يزيد قال : " كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، فلما كان عثمان رضي الله عنه وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء " وفي رواية للبخاري : " زاد النداء الثاني " وزاد ابن ماجه على دار في السوق يقال لها الزوراء ، وتسميته ثالثا ; لأن الإقامة تسمى أذانا كما في الحديث { بين كل أذانين صلاة } ، وهذا وقد تعلق بما ذكرنا من أنه لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا هذا الأذان بعض من نفى أن للجمعة سنة ، فإنه من المعلوم أنه كان صلى الله عليه وسلم إذا رقى المنبر أخذ بلال في الأذان فإذا أكمله أخذ صلى الله عليه وسلم في الخطبة ، فمتى كانوا يصلون السنة ؟ ومن ظن أنهم إذا فرغ من الأذان قاموا فركعوا فهو من أجهل الناس ، وهذا مدفوع بأن خروجه صلى الله عليه وسلم كان بعد الزوال بالضرورة فيجوز كونه بعدما كان يصلي الأربع ، ويجب الحكم بوقوع هذا المجوز لما قدمناه في باب النوافل من عموم { أنه كان صلى الله عليه وسلم يصلي إذا زالت الشمس أربعا يقول : هذه ساعة تفتح فيها أبواب السماء فأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح } .

وكذا يجب في حقهم ; لأنهم أيضا يعلمون الزوال ، إذ لا فرق بينهم وبين المؤذن في ذلك الزمان ; لأن اعتماده في دخول الوقت اعتمادهم ، بل ربما يعلمونه بدخول الوقت ليؤذن على ما عرف من حديث ابن أم مكتوم . وفي الصحيح عن ابن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين } وفي أبي داود عن ابن عمر { أنه إذا كان بمكة فصلى الجمعة تقدم فصلى ركعتين ثم تقدم فصلى أربعا ، وإذا كان بالمدينة فصلى الجمعة ثم رجع إلى بيته فصلى ركعتين ، ولم يصل في المسجد ، فقيل له ، فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 70 ] يفعل ذلك } فقد أثبت ستا بعد الجمعة بمكة ، فالظاهر أنها ستة ، غير أنه إذا كان بالمدينة وفيها المنزل المهيأ له صلى فيه ، وهو بمكة في صلاة الجمعة إنما كان مسافرا فكان يصليها في المسجد فلم يعلم ابن عمر كل ما كان في بيته بالمدينة فهذا محمل اختلاف الحال في البلدين ، فهذا البحث يفيد أن السنة بعدها ست ، وهو قول أبي يوسف ، وقيل قولهما .

وأما أبو حنيفة فالسنة بعدها عنده أربع أخذا بما روي عن ابن مسعود " أنه كان يصلي قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا " قاله الترمذي في جامعه ، وإليه ذهب ابن المبارك والثوري . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم { إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربع ركعات } ، وقد ذكر أبو داود عن ابن عمر أنه { كان إذا صلى في المسجد صلى أربعا ، وإذا صلى في بيته صلى ركعتين } ، والله سبحانه أعلم .




الخدمات العلمية