الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( المسألة الخامسة )

دخول النية في تعميم المطلقات وصورته أن تقول والله لأكرمن أخاك وتنوي بذلك جميع إخوتك فإن قولك أخاك مطلق فإذا أراد جميع إخوتك فقد عمم المطلق ومثله قوله تعالى { ثم نخرجكم طفلا } فإن طفلا مطلق مفرد لا يتناول إلا فردا واحدا وهو القدر المشترك بين جميع الأطفال [ ص: 71 ] ومع ذلك فالمراد به جميع الأطفال على سبيل العموم فإن جميعنا لا يخرج طفلا واحدا بل أطفالا فمعنى الطفولية مضافة لكل بشر منا فيحصل العموم في الأطفال كما أنا نحن غير متناهين وتوزيع الحقيقة الحاصلة من الطفولية على ما لا يتناهى يوجب أن يحصل منها أفراد غير متناهية فقد ورد هذا المطلق في كتاب الله تعالى والمراد به العموم فإذا أراد الحالف تعميم حكم اليمين بالنية كما إذا صرح بالعموم فإن كان في سياق الثبوت فلا يبرأ إلا بحصول الفعل في جميع أفراد ذلك العموم وإن كان في سياق النفي حنث بواحد من ذلك العموم وانحلت اليمين بأي فرد حنث فيه مع أن سياق النفي اللفظ فيه عام فإن النكرة في سياق النفي تعم وإنما يظهر أثر ذلك وتأثير النية في سياق الثبوت خاصة .

التالي السابق


حاشية ابن الشاط

قال ( المسألة الخامسة دخول النية في تعميم المطلقات وصورته أن تقول والله لأكرمن أخاك وتنوي بذلك جميع إخوتك فإن قولك أخاك مطلق فإذا أراد جميع إخوتك فقد عمم المطلق )

قلت ليس ما قاله هنا بصحيح فإن أخاك معرفة وليست المعرفة مطلقة في عرف الأصوليين وإنما المطلق في عرفهم النكرة في سياق الإثبات فكان حقه أن يقول والله لأكرمن أخاك وما أشبه ذلك وإنما أوجب غلطه في ذلك شبهة الاشتراك في لفظ المطلق باعتبار اصطلاح الأصوليين والمنطقيين فإن اصطلاح الأصوليين في المطلق أنه الواحد المبهم وفي اصطلاح المنطقيين الكلي وقد يكون نكرة كما في قولهم تمرة خير من جرادة ومعرفة بالألف واللام كقولهم الرجل خير من المرأة ومعرفة بالإضافة كقولهم ( :

أخاك أخاك إن من لا أخا له كساع إلى الهيجا بغير سلاح

) فإنه لم يرد أخا معينا ولا أخا واحدا مبهما وإنما أراد هذا النوع على الجملة .

قال ( ومثله قوله تعالى { ثم نخرجكم طفلا } فإن طفلا مطلق مفرد لا يتناول إلا فردا واحدا وهو القدر المشترك بين الأطفال ) قلت هذا كلام فاسد وقول غير صحيح فإن القدر المشترك وهو الكلي ليس فردا واحدا عند مثبتيه وإنما الفرد الواحد واحد مبهم غير معين مما فيه المعنى المشترك وهو أشهر نوعي النكرة وأكثرهما استعمالا في لغة العرب فإن النكرة في لغة العرب على نوعين

أحدهما يراد به الفرد المبهم في مثل قول القائل : أكرم رجلا

وثانيهما يراد به هذا الجنس لا فرد منه مبهم في مثل قول القائل رجل خير من امرأة [ ص: 71 ] قال ( ومع ذلك فالمراد به جميع الأطفال على سبيل العموم فإن جميعنا لا يخرج طفلا واحدا بل أطفالا إلى قوله فقد ورد هذا المطلق في كتاب الله تعالى والمراد به العموم ) قلت لا يصح أن يكون المراد به في الآية العموم فإن العموم لا بد أن يكون متناولا لجميع الآحاد الممكنة ولا يتجه ذلك في الآية إذ لو قال ونخرجكم جميع الأطفال الممكنة لم يكن كلاما صحيحا وإنما العموم في الآية مستفاد من ضمير الجمع المتصل بنخرج وهو عموم في المخرجين لا في كل ممكن ثم جاء لفظ طفل مبينا للحالة التي يكون الإخراج فيها وهي حالة الطفولية إما على تقدير ونخرج كل واحد منكم لأن ونخرجكم في معناه وإما على أن طفلا اسم جنس فناب مناب اسم الجمع كناس ونفر والله أعلم قال ( فإذا أراد الحالف تعميم حكم اليمين بالنية كما إذا صرح بالعموم إلى آخر المسألة ) قلت ما قاله في ذلك صحيح .



حاشية ابن حسين المكي المالكي

( المسألة الرابعة )

إذا قال والله لأكرمن أخا لك أو والله لا أكرمن أخاك ونوى بذلك جميع إخوتك لم يبر في الأول إلا بإكرام جميع إخوة المخاطب ولم يحنث في الثاني إلا بإكرام جميع إخوة المخاطب لأن أخا في الأول وإن كان مطلقا لكونه نكرة في الإثبات إلا أن النية صرفته للعموم وأخاك في الثاني وإن كان مطلقا لكونه معرفة في سياق النفي إلا أن النية صرفته للعموم .




الخدمات العلمية