الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وشرطها : أن يكون المحل عقارا ) سفلا كان أو علوا وإن لم يكن طريقه في السفل ، لأنه التحق بالعقار بما له من حق القرار درر . قلت : وأما ما جزم به ابن الكمال في أول باب ما هي فيه من أن البناء إذا بيع مع حق القرار يلتحق بالعقار فرده شيخنا الرملي وأفتى بعدمها [ ص: 218 ] تبعا للبزازية وغيرها فليحفظ .

التالي السابق


( قوله وشرطها إلخ ) المراد بالعقار هنا غير المنقول ، فدخل الكرم والرحى والبئر والعلو وإن لم يكن طريقه في السفل ، وخرج البناء والأشجار فلا شفعة فيهما إلا بتبعية العقار وإن بيع بحق القرار در منتقى ، ويشترط كونه مملوكا كما علم مما قدمه ويأتي فخرج الوقف ، وكذا الأراضي السلطانية لا العشرية والخراجية ، إذ لا ينافي ذلك الملك كما سنذكره قبيل الباب الآتي ، وكون العقد معاوضة ، وزوال ملك البائع عن المبيع فلا شفعة في بيع بخيار ، وزوال حق البائع فلا شفعة في شراء فاسد ، وملك الشفيع لما يشفع به وقت الشراء ، وعدم الرضا من الشفيع بالبيع ولو دلالة كما يعلم ذلك كله مما يأتي ( قوله وإن لم يكن طريقه في السفل ) أي طريق العلو المبيع . قال في الذخيرة : فإن كان طريقه في السفل فالشفعة بسبب الشركة في الطريق ، وإن في السكة العظمى فبسبب الجوار ، وإن لم يأخذ صاحب العلو السفل بها حتى انهدم العلو فعلى قول أبي يوسف بطلت لأن الجوار بالاتصال وقد زال ، كما لو باع التي يشفع بها قبل الأخذ . وعلى قول محمد تجب لأنها ليست بسبب البناء بل بالقرار وحتى القرار باق ، وإن كانت ثلاثة أبيات بعضها فوق بعض وباب كل إلى السكة فبيع الأوسط تثبت للأعلى والأسفل وإن بيع الأسفل أو الأعلى فالأوسط أولى ا هـ ملخصا

( قوله بما له من حق القرار ) لأن حق التعلي يبقى على الدوام وهو غير منقول فتستحق به الشفعة كالعقار زيلعي ، وظاهره ترجيح قول محمد المار ( قوله إذا بيع مع حق القرار ) كالبناء في الأرض السلطانية أو أرض الوقف المحتكرة ( قوله فرده شيخنا إلخ ) اقتصر في الرد على [ ص: 218 ] الاستناد إلى النقل ، وكان ينبغي إبداء الفرق بينه وبين مسألة العلو للإيضاح ، ولعله أن البناء فيما ذكر ليس له حق البقاء على الدوام بل هو على شرف الزوال ، لما قالوا : إن الأرض المحتكرة إذا امتنع المحتكر من دفع أجرة المثل يؤمر برفع بنائه وتؤجر لغيره ، وكذا يقال في السلطانية إذا امتنع من دفع ما عينه السلطان ، بخلاف حق التعلي فإنه يبقى على الدوام كما مر . وبه اندفع ما ذكره ح من أن تعليلهم إلحاق العلو بالعقار بأن له حق القرار يؤيد ابن الكمال ا هـ فتأمل ( قوله تبعا للبزازية وغيرها ) ففي البزازية : ولا شفعة في الكردار : أي البناء ويسمى بخوارزم حق القرار لأنه نقلي كالأراضي السلطانية التي حازها السلطان لبيت المال ويدفعها مزارعة إلى الناس بالنصف فصار لهم فيها كردار كالبناء والأشجار والكبس بالتراب فبيعها باطل ، وبيع الكردار إذا كان معلوما يجوز لكن لا شفعة فيه ا هـ ملخصا ، ونحوه في النهاية والذخيرة . وفي التتارخانية عن السراجية : رجل له دار في أرض الوقف فلا شفعة له ، ولو باع هو عمارته فلا شفعة لجاره ا هـ .

مطلب في الكلام على الشفعة في البناء نحو الأرض المحتكرة هذا وقد انتصر أبو السعود في حاشية مسكين لابن الكمال وجزم بخطإ من أفتى بأنه لا شفعة في البناء في الأرض المحتكرة كالطوري إذ لا سند له في فتواه ; ثم استدل بما في شرح المجمع الملكي لو بيع النخل وحده أو البناء وحده فلا شفعة لأنهما لا قرار لهما بدون العرصة . قال : فتعليله كالصريح في ثبوت الشفعة في البناء في المحتكرة لما له من حق القرار ا هـ . واستدل قبل هذا أيضا بما هو دليل عليه لا له كما تعرفه . وأما ما في شرح المجمع فلا دليل فيه أيضا لأن التعليل المذكور لبيان الفرق بين بيع البناء أو النخل وحده وبين بيعه مع محله القائم فيه فإنه تثبت فيه الشفعة لوجود حق القرار على الدوام ، بخلاف بيع البناء أو الشجر وحده ولو في الأرض المحتكرة كما علمته مما قررناه سابقا . ويمكن أن يكون مراد ابن الكمال بحق القرار المحل القائم فيه فلا يكون فيه مخالفة لغيره ، وقوله إذ لا سند له في فتواه عجيب بعدما قدمناه من النقول ، ومما يدل عليه قطعا ما في الجامع الصغير أن بيع أرض مكة لا يجوز وإنما يجوز بيع البناء فلا تجب الشفعة . وروى الحسن عن أبي حنيفة أنها تجب وهو قولهما وعليه الفتوى لأنه باع المملوك ا هـ .

قال في شرح الوهبانية : ولا يخفى أن مفاد هذا الكلام أن الشفعة فيها إنما تثبت بناء على القول بأن أرضها مملوكة لا أن مجرد البناء فيها يوجب الشفعة فيكون حكمه مخالفا لحكم غيره من الأبنية كما توهمه عبارة ابن وهبان ا هـ أي فإن عبارته توهم أن ثبوت الشفعة فيها لمجرد البناء فتجب ، ولو قيل إن أرضها غير مملوكة فيخالف حكم غيره من الأبنية وليس كذلك ، بل ثبوتها خاص بالقول بملكية أرضها ليكون البناء تابعا للأرض فلا يكون من بيع المنقول . والعجب من أبي السعود حيث استدل بهذا الكلام وجعله صريحا فيما ادعاه مع أنه صريح بخلافه كما لا يخفى ، فإنه على القول بأن أرضها غير مملوكة فالبناء فيها له حق القرار على الدوام ومع هذا لا شفعة فيه فكيف البناء في الأرض المحتكرة ، لا يقال : يلزم من هذا عدم ثبوتها في العلو لأنا نقول : البناء من المنقول بخلاف العلو [ ص: 219 ] كما مر ، وأشار إليه الزيلعي فيما يأتي ، فاغتنم هذه الفوائد الفرائد




الخدمات العلمية