الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 324 ] باب الحكم فيمن دخل في صلاة أو صوم هل له قطع ما دخل فيه قبل تمامه ؟ .

وليس في التراجم أخبرنا الربيع قال ( قال الشافعي ) : من دخل في صوم واجب عليه من شهر رمضان أو قضاء أو صوم نذر أو كفارة من وجه من الوجوه أو صلى مكتوبة في وقتها أو قضاها أو صلاة نذرها أو صلاة طواف ، لم يكن له أن يخرج من صوم ، ولا صلاة ما كان مطيقا للصوم والصلاة على طهارة في الصلاة ، وإن خرج من واحد منهما بلا عذر مما وصفت أو ما أشبهه عامدا ، كان مفسدا آثما عندنا ، والله تعالى أعلم ، وكان عليه إذا خرج منه الإعادة لما خرج منه بكماله فإن خرج منه بعذر من سهو أو انتقاض وضوء أو غير ذلك من العذر كان عليه أن يعود فيقضي ما ترك من الصوم والصلاة بكماله لا يحل له غيره طال تركه له أو قصر ، وأصل هذا إذا لم يكن للمرء ترك صلاة ، ولا صوم قبل أن يدخل فيه ، وكان عليه أن يعود فيقضي ما ترك بكماله فخرج منه قبل إكماله عاد ، ودخل فيه فأكمله لأنه إذا لم يكمله بعد دخوله فيه فهو بحالة لأنه قد وجب عليه فلم يأت به كما وجب عليه ، وإنما تكمل صلاة المصلي الصلاة الواجبة ، وصوم الصائم الواجب عليه إذا قدم فيه مع دخوله في الصلاة نية يدخل بها في الصلاة فلو كبر لا ينوي واجبا من الصلاة أو دخل في الصوم لا ينوي ، واجبا لم تجزه صلاته ولا صيامه من الواجب عليه منهما ، وما قلت في هذا داخل في دلالة سنة أو أثر لا أعلم أهل العلم اختلفوا فيه ( قال الشافعي ) : ومن تطوع بصلاة أو طواف أو صيام أحببت له أن لا يخرج من شيء منه حتى يأتي به كاملا إلا من أمر يعذر به كما يعذر في خروجه من الواجب عليه بالسهو أو العجز عن طاقته أو انتقاض وضوء في الصلاة أو ما أشبهه ، فإن خرج بعذر أو غير عذر فلو عاد له فكمله كان أحب إلي ، وليس بواجب عندي أن يعود له ، والله تعالى أعلم فإن قال قائل : ولم لا يعود لما دخل فيه من التطوع من صوم وصلاة وطواف إذا خرج منه كما يعود لما وجب عليه ؟ قيل له إن شاء الله تعالى لاختلاف الواجب من ذلك والنافلة ، فإن قال قائل : فأين الخلاف بينهما ؟ قيل له إن شاء الله تعالى : لا اختلاف مختلفان قبل الدخول فيهما ، وبعده فإن قال قائل : ما وجد في اختلافهما ؟ قيل له : أرأيت الواجب عليه أكان له تركه قبل أن يدخل فيه ؟ فإن قال : لا قيل : أفرأيت النافلة ، أكان له تركها قبل أن يدخل فيها ؟ فإن قال : نعم ، قيل : أفتراهما متباينتين قبل الدخول ؟ فإن قال : نعم ، قيل : أفرأيت الواجب عليه من صوم وصلاة لا يجزئه أن يدخل فيه لا ينوي الصلاة التي وجبت بعينها والصوم الذي وجب عليه بعينه ؟ فإن قال : لا ولو فعل لم يجزه من واحد منهما قيل له : أفيجوز له أن يدخل في صلاة نافلة ، وصوم لا ينوي نافلة بعينها ، ولا فرضا [ ص: 325 ] أفتكون نافلة ؟ فإن قال : نعم قيل له : وهل يجوز له وهو مطيق على القيام في الصلاة أن يصلي قاعدا أو مضطجعا ، وفي السفر راكبا أين توجهت به دابته يومئ إيماء ؟ فإن قال : نعم قيل له : وهل يجوز له هذا في المكتوبة ؟ فإن قال : لا ، قيل : أفتراهما مفترقتين بين الافتراق قبل الدخول فيهما ، ومع الدخول ، وبعد الدخول عندنا وعندك استدلالا بالسنة ، وما لم أعلم من أهل العلم مخالفا فيه .

باب الخلاف فيه .

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى فخالفنا بعض الناس ، وآخر في هذا فكلمت بعض الناس ، وكلمني ببعض ما حكيت في صدر هذه المسألة ، وأتيت على معانيه وأجابني بجمل ما قلت غير أني لا أدري لعلي أوضحتها حين كتبتها بأكثر من اللفظ الذي كان مني حين كلمته فلم أحب أن أحكي إلا ما قلت على وجهه ، وإن كنت لم أحك إلا معنى ما قلت له بل تحريت أن يكون أقل ما قلت له ، وأن آتي على ما قال ، ثم كلمني فيها هو وغيره ممن ينسب إلى العلم من أصحابه مما سأحكي إن شاء الله تعالى ما قالوا ، وقلت : فقال لي : قد علمت أن فقهاء المكيين ، وغير واحد من فقهاء المدنيين يقولون ما قلت لا يخالفونك فيه ، وقد وافقنا في قولنا بعض المدنيين فخالفك مرة وخالفنا في شيء منه فقلت : لا أعرفه بعينه فاذكر قولك والحجة فيه ذكر من لا يحتج إلا بما يرى مثله حجة ولا تذكر مما يوافق قولك قول من لا يرى قوله حجة بحال : قال : أفعل ، ثم قال : أخبرني ابن جريج عن ابن شهاب أو أخبرنا ثقة عن ابن جريج عن ابن شهاب { أن عائشة ، وحفصة أصبحتا صائمتين فأهدي لهما شيء فذكرتا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال صوما يوما مكانه } فقلت : هل عندك حجة من رواية أو أثر لازم غير هذا ؟ قال : ما يحضرني الآن شيء غيره ، وهذا الذي كنا نبني عليه من الأخبار في هذا قال : فقلت له : هل تقبل مني أن أحدثك مرسلا كثيرا عن ابن شهاب ، وابن المنكدر ، ونظرائهما ومن هو أسن منهما عمرو بن دينار وعطاء ، وابن المسيب ، وعروة ؟ قال : لا . قلت : فكيف قبلت عن ابن شهاب مرسلا في شيء ولا تقبله عنه ، ولا عن مثله ، ولا أكبر منه في شيء غيره ؟ قال فقال : فلعله لم يحمله إلا عن ثقة . قلت : وهكذا يقول لك من أخذ بمرسله في غير هذا ، ومرسل من هو أكبر فيقول كلما غاب عني مما يمكن فيه أن يحمله عن ثقة أو عن مجهول لم تقم علي به حجة حتى أعرف من حمله عنه بالثقة فأقبله أو أجهله فلا أقبله ، قلت : ولم ؟ إلا أنك إنما أنزلته بمنزلة الشهادات ، ولا تأمن أن يشهد لك شاهدان على ما لم يريا ، ولم يسميا من شهدا على شهادته ؟ قال : أجل ، وهكذا نقول في الحديث كله قال : فقلت له : وقد كلمني في حديث ابن شهاب كلام من كأنه لم يعلم فيه ، ومن حديث ابن شهاب هذا عند ابن شهاب ، وفيه شيء يخالفه ، ولم نعرف ثقة ثبتا يخالفه ، وهو أولى أن تصير إليه منه في حديث ابن شهاب قال : فكان ذاهبا عند ابن شهاب ؟ قلت : نعم ، أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن ابن شهاب أنه قال : الحديث الذي رويت عن حفصة ، وعائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن جريج : فقلت له أسمعته من عروة بن الزبير ؟ قال : لا ، إنما أخبرنيه رجل بباب عبد الملك بن مروان أو رجل من جلساء عبد الملك بن مروان ( قال الشافعي ) : فقلت له : أفرأيت لو كنت ترى الحجة تقوم بالحديث المرسل ثم علمت أن ابن شهاب قال في الحديث ما حكيت لك أتقبله ؟ قال : لا هذا يوهنه بأن يخبر أنه قبله عن [ ص: 326 ] رجل لا يسميه ولو عرفه لسماه أو وثقه ( قال الشافعي ) : فقال : أفليس يقبح أن يدخل رجل في صلاته ثم يخرج منها قبل أن يصلي ركعتين ، وفي صوم فيخرج منه قبل أن يتم صوم يوم أو في طواف فيخرج منه قبل أن يكمل سبعا ؟ فقلت له : وقد صرت إذ لم تجد حجة فيما كنت تحتج به إلى أن تكلم كلام أهل الهالة قال : الذي قلت أحسن . قلت : أتقول أن يكمل الرجل ما دخل فيه ؟ قال : نعم . قلت : وأحسن منه أن يزيد على أضعافه ؟ قال : أجل . قلت أفتوجبه عليه ؟ قال : لا قلت له : أفرأيت رجلا قويا نشيطا فارغا لا يصوم يوما واحدا تطوعا أو لا يطوف سبعا أو لا يصلي ركعة هو أقبح فعلا أم من طاف فلم يكمل طوافا حتى قطعه من عذر فلم يبن أو صنع ذلك في صوم أو صلاة ؟ قال الذي امتنع من أن يدخل من ذلك سيئ ، قلت : أفتأمره إذا كان فعله أقبح أن يصلي ، ويصوم ويطوف تطوعا أمرا توجبه عليه ؟ قال : لا . قلت : فليس قولك أحسن ، وأقبح من موضع الحجة بسبيل ههنا إنما هو موضع اختيار قال : نعم فلم يدخل الاختيار في موضع الحجة ، وقد أجزنا له قبل أن نقول هذا ما اخترت له وأكثر فقلنا : ما نحب أن يطيق رجل صوما فيأتي عليه شهر لا يصوم بعضه ، ولا صلاة فيأتي عليه ليل ، ولا نهار إلا تطوع في كل واحد منهما بعدد كثير من الصلاة ، وما يزيد في ذلك أحد شيئا إلا كان خيرا له ، ولا ينقص منه أحد إلا والحظ له في ترك النقص ، ولكن لا يجوز لعالم أن يقول لرجل : هذا معيب ، وهذا مستخف ، والاستخفاف ، والعيب بالنية ، والفعل وقد يكون الفعل والترك ممن لا يستخف ، فقال فيما قلت من الرجل يخرج من التطوع في الصلاة أو الصوم أو الطواف فلا يجب عليه قضاؤه خبر يلزم أو قياس يعرف ؟ قلت : نعم .

قال : فاذكر بعض ما يحضرك منها قلنا : أخبرنا سفيان عن طلحة بن يحيى عن عمته عائشة بنت طلحة عن { عائشة أم المؤمنين قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إنا خبأنا لك حيسا : فقال أما إني كنت أريد الصوم ، ولكن قربيه } ( قال الشافعي ) : فقال قد قيل : إنه يصوم يوما مكانه ( قال الشافعي ) فقلت له : ليس فيما حفظت عن سفيان في الحديث ، وأنا أسألك . قال .

فسل : قلت أرأيت من دخل في صوم واجب عليه من كفارة أو غيرها له أن يفطر ويقضي يوما مكانه ؟ قال : لا . قلت : أفرأيت إن كان من دخل في التطوع عندك بالصوم كمن وجب عليه أيجوز أن تقول من غير ضرورة ثم يقضي ؟ قال : لا . قلت : ولو كان هذا في الحديث وكان على معنى ما ذهبت إليه كنت قد خالفته ؟ قال : فلو كان في الحديث أيحتمل معنى غير أنه واجب عليه أن يقضيه ؟ قلت : نعم . يحتمل إن شاء تطوع يوما مكانه قال : وأياما أفتجد في شيء روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ما وصفت ؟ قلت : نعم أخبرنا سفيان عن ابن أبي لبيد قال سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يقول : قدم معاوية بن أبي سفيان المدينة فبينما هو على المنبر إذ قال : يا كثير بن الصلت اذهب إلى عائشة فسلها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العصر ، قال أبو سلمة : فذهبت معه إلى عائشة ، وبعث ابن عباس عبد الله بن الحارث بن نوفل معنا فأتى عائشة فسألها عن ذلك فقالت له : اذهب فسل أم سلمة ، فذهبت معه إلى أم سلمة فسألها { فقالت أم سلمة : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بعد العصر فصلى عندي ركعتين لم أكن أراه يصليهما قالت أم سلمة فقلت يا رسول الله لقد صليت صلاة لم أكن أراك تصليها قال : إني كنت أصلي ركعتين قبل الظهر ، وأنه قدم علي وفد بني تميم أو صدقة فشغلوني عنهما فهما هاتان الركعتان } ( قال الشافعي ) : وثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { أحب [ ص: 327 ] الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل } ، وإنما أراد والله تعالى أعلم المداومة على عمل كان يعمله فلما شغل عنه عمله في أقرب الأوقات منه ليس أن ركعتين قبل العصر واجبتان ، ولا بعدها ، وإنما هما نافلة ، وقال عمر بن الخطاب " من فاته شيء من صلاة الليل فليصله إذا زالت الشمس فإنه قيام الليل " ليس أنه يوجب قيام الليل ولا قضاءه ، ولكن يقول من أراد تحرى فصلى فليفعل ، أخبرنا سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر { أن عمر نذر أن يعتكف في الجاهلية فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يعتكف في الإسلام } ، وهو على هذا المعنى ، والله تعالى أعلم أنه إنما أمره إن أراد أن يسبق باعتكاف اعتكف ، ولم يمنعه أنه نذره في الجاهلية أخبرنا الدراوردي ، وغيره عن جعفر بن محمد عن أبيه رضي الله تعالى عنهما عن جابر { أن النبي صلى الله عليه وسلم صام في سفره إلى مكة عام الفتح في شهر رمضان ، وأمر الناس أن يفطروا فقيل له : إن الناس صاموا حين صمت فدعا بإناء فيه ماء فوضعه على يده ، وأمر من بين يديه أن يحبسوا فلما حبسوا ، ولحقه من وراءه رفع الإناء إلى فيه فشرب وفي حديثهما أو حديث أحدهما ، وذلك بعد العصر } أخبرنا سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال { خرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة حتى إذا كان بكراع الغميم ، وهو صائم ثم رفع إناء فيه ماء فوضعه على يده ، وهو على الرحل فحبس من بين يديه ، وأدركه من وراءه ثم شرب ، والناس ينظرون } ( قال الشافعي ) فقال هذا في شهر رمضان قلت : فذلك أوكد للحجة عليك أنه إذا كان له أن يفطر في السفر في شهر رمضان لا علة غيره برخصة الله ، وكان له أن يصوم إن شاء فيجزى عنه من أفطر قبل أن يستكمله دل هذا على معنى قولي من أنه لما كان له قبل الدخول في الصوم أن لا يدخل فيه كان بالدخول فيه في تلك الحال غير واجب عليه بكل حال ، وكان له إذا دخل فيه أن يخرج منه بكل حال كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فالتطوع بكل وجه أولى أن يكون هكذا من الفرض الذي له تركه في ذلك الوقت إلى أن يقضيه في غيره قال : فتقول بهذا ؟ قلت : نعم ، أقوله اتباعا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم } قال لي : فقد ذكر لي أنك تحفظ في هذا أثرا عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له : الذي جئتك به أقطع للعذر وأولى أن تتبعه من الأثر قال فاذكر الأثر قلت : فإن ذكرته بما ثبت بمثله عن واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تأت بشيء يخالفه ثابت عن واحد منهم تعلم أن فيما قلنا الحجة ، وفي خلافه الخطأ ؟ قال : فاذكره . قلت : أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح أن ابن عباس كان لا يرى بأسا أن يفطر الإنسان في صيام التطوع ، ويضرب لذلك أمثالا ، رجل قد طاف سبعا ، ولم يوفه فله ما احتسب أو صلى ركعة ، ولم يصل أخرى فله أجر ما احتسب ، أخبرنا مسلم ، وعبد المجيد عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال : كان ابن عباس لا يرى بالإفطار في صيام التطوع بأسا أخبرنا مسلم ، وعبد المجيد عن ابن جريج عن الزبير عن جابر أنه كان لا يرى بالإفطار في صيام التطوع بأسا أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن عطاء عن أبي الدرداء أنه كان يأتي أهله حين ينتصف النهار أو قبله فيقول : هل من غداء ؟ فيجده أو لا يجده [ ص: 328 ] فيقول : لأصومن هذا اليوم فيصومه ، وإن كان مفطرا ، وبلغ ذلك الحين ، وهو مفطر . قال ابن جريج : أخبرنا عطاء ، وبلغنا أنه كان يفعل ذلك حين يصبح مفطرا حتى الضحى أو بعده ، ولعله أن يكون وجد غداء أو لم يجده ( قال الشافعي ) : في قوله يصبح مفطرا يعني يصبح لم ينو صوما ، ولم يطعم شيئا ( قال الشافعي ) : وهذا لا يجزئ في صوم واجب حتى ينوي صومه قبل الفجر ، أخبرنا الثقات من أصحابنا عن جرير بن عبد المجيد عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه قال : دخل عمر بن الخطاب المسجد فصلى ركعة ثم خرج فسئل عن ذلك فقال : إنما هو تطوع فمن شاء زاد ومن شاء نقص أخبرنا غير واحد من أهل العلم بإسناد لا يحضرني ذكره فيما يثبت مثله عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه مثل معنى ما روي عن عمر لا يخالفه أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن أبيه قال حدثني من رأى أبا ذر يكثر الركوع ، والسجود فقيل له : أيها الشيخ تدري على شفع تنصرف أم على وتر ؟ قال : لكن الله يدري أخبرنا عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء عن أبي تميم المنذري عن مطرف قال : أتيت بيت المقدس فإذا أنا بشيخ يكثر الركوع ، والسجود فلما انصرف قلت : إنك شيخ وإنك لا تدري على شفع انصرفت أم على وتر فقال : إنك قد كفيت حفظه وإني لأرجو أني لا أسجد سجدة إلا رفعني الله بها درجة أو كتب لي بها حسنة أو جمع لي كلتيهما ، قال عبد الوهاب الشيخ الذي صلى ، وقال المقالة أبو ذر ( قال الشافعي ) : قول أبي ذر " لكن الله يدري " ، وقوله " قد كفيت حفظه " يعني علم الله به ، ويتوسع ، وإن لم يعلم هو ، والله أعلم وهذا لا يتسع في الفرض إلا أن ينصرف على عدد لا يزيد فيه ، ولا ينقص منه شيئا ، وقد توسع أبو ذر فيه في التطوع ( قال الشافعي ) : وقلت مذهبك فيما يظهر اتباع الواحد في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يخالفه غيره من روايتك ، ورواية أصحابك الثابتة عندهم ما وصف عن علي وعمر وأبي ذر من الرواية التي لا يدفع عالم أنها غاية في الثبت روينا عن ابن عباس ونحن وأنت نثبت روايتنا عن جابر بن عبد الله ويروي عن أبي ذر عدد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يوافق ما قلنا فلو لم يكن في هذا دلالة من سنة لم يكن فيه إلا الآثار ، وأيا كان لم يك على أصل مذهبك أن نقول قولنا فيه وأنت تروي عن عمر إذا أغلق بابا أو أرخى سترا فقد وجب المهر ، ونقول ولو تصادقا أنه لم يمسها ، وجب المهر والعدة اتباعا لقول عمر فترد على من خالفه وقد خالفه ابن عباس وشريح وتأول حجة لقول الله تعالى { ، وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } ، ولقوله { فما لكم عليهن من عدة تعتدونها } قالوا إنما أوجب الله المهر ، والعدة في الطلاق بالمسيس فقلت : لا تنازع عمر ، ولا تتأول معه بل تتبعه ، ونتبع ابن عباس في قوله : { من نسي من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دما } ، وفي قوله " ما الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطعام أن يباع حتى يقبض ثم يقول برأيه ، ولا أحسب كل شيء إلا مثله فقلت : لا يجوز أن يباع شيء اشتري متى يقبض اتباعا لابن عباس ، وتروي ذلك حجة على من خالفك إذا كان معك قول ابن عباس وتروي عن علي رضي الله عنه في امرأة المفقود خلاف عمر ، وتحتج به عليه ، وترى لك فيه حجة على من خالفك ثم تدع عمر وعليا وابن عباس وجابرا وأبا ذر ، وعددا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متفقة أقاويلهم ، وأفعالهم ، وتخالفهم على أقاويلهم بالقياس ثم تخطئ القياس أرأيت لا يمكن أحدا في قول ، واحد منهم أن يدخل عليك قياسا صحيحا ، ومعهم دلائل السنة التي ليس لأحد خلافها ؟ ( قال ) : أفتكون صلاة ركعة واحدة ؟ ( قلت ) : مسألتك مع ما وصفت من الأخبار [ ص: 329 ] جهالة أو تجاهل فإن زعمت أن لنا ، ولك أن نكون متكلمين سنة أو أثرا عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقد سألت في موضع مسألة وإن زعمت أن أقاويلهم غاية ينتهى إليها لا تجاوز ، وإن لم يكن معها سنة لم يكن لمسألتك موضع ( قال ) : أفرأيت إن كنعت عن القول في الصيام ، والطواف ، وكلمتك في الصلاة وزعمت أني لا أقيس شريعة بشريعة ، ولا يكون ذلك لك فلما لم أجد في الصوم حديثا يثبت يخالف ما ذهبت إليه ، ولا في الطواف ، وكنعت عن الكلام فيهما قلت ، ورجعت إلى إجازة أن يخرج من صوم التطوع ، والطواف ؟ فقال بل أقف فيه قلت أفتقبل من غيرك الوقوف عند الحجة ؟ قال : لعلي سأجد حجة فيما قلت : قلت : فإن قال لك غيرك فلعلي سأجد الحجة عليك فلا أقبل منك أيكون ذلك له ، وفائدة وقوفك ، والخبر الذي يلزم مثله عندك ثابت بخلاف قولك فإن قال فإن قلت لك في الصلاة إن النبي صلى الله عليه وسلم قال { صلاة الليل ، والنهار مثنى مثنى يسلم بين كل ركعتين } قلت : فأنت تخالف هذا فتقول : صلاة النهار أربع ، وصلاة الليل مثنى قال بحديث قلت فهو إذن يخالف هذا الحديث فأيهما الثابت ؟ قال فاقتصر على صلاة الليل ، وأنت تعرف الحديث ليلا ، وتثبته ؟ قلت : نعم . وليست لك حجة فيه إن لم تكن عليك قال ، وكيف قلت : إنما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تكون صلاة الليل مثنى لمن أراد صلاة تجاوز مثنى فأمر بأن يسلم بين كل ركعتين لئلا تشتبه بصلاة الفريضة لا أنه حرام أن يصلي أقل من مثنى ، ولا أكثر قال ، وأين أجاز أن يصلي أقل من مثنى ؟ قلت في قوله { فإذا خشي الصبح صلى واحدة يوتر بها ما قد صلى } فقد صلى ركعة واحدة منفردة ، وجعلها صلاة ، وقد روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بخمس ركعات لا يسلم ، ولا يجلس إلا في أخراهن } ، وروى ابن عباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم من الركعة والركعتين } ، وأخبر أن وجه الصلاة في التطوع أن تكون مثنى ، ولم يحرم أن تجاوز مثنى ، ولا تقصر عنه قال فإن قلت بل حرم أن لا يصلي إلا مثنى ، قلت : فأنت إذن تخالف إن زعمت أن الوتر واحدة ، وإن زعمت أنه ثلاث لا يفصل بسلام بينهن أو أكثر فليس واحدة ولا ثلاث مثنى ، قال : فقال بعض من حضره من أصحابه ليس الذي ذهب إليه من هذا بحجة عليك عنده فما زال الناس يأمرون بأن يصلوا مثنى ، ولا يحرمون دون مثنى فإذا جاز أن يصلي غير مثنى قلت : فلم أحتج به

التالي السابق


الخدمات العلمية