الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            [ ص: 126 ] كتاب العدد جمع عدة من العدد لاشتمالها على أقراء أو أشهر غالبا ، وهي شرعا : مدة تتربص فيها المرأة لمعرفة براءة رحمها من الحمل أو للتعبد ، وهو اصطلاحا : ما لا يعقل معناه عبادة كان أو غيرها ، فقول الزركشي لا يقال فيها تعبد لأنها ليست من العبادات المحضة غير ظاهر أو لتفجعها على زوج مات ، وأخرت إلى هنا لترتبها غالبا على الطلاق واللعان ، وألحق الإيلاء والظهار بالطلاق لأنهما كانا طلاقا وللطلاق تعلق بهما والأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع وهي من حيث الجملة معلومة من الدين بالضرورة كما هو واضح .

                                                                                                                            وقولهم لا يكفر جاحدها لأنها غير ضرورية يظهر حمله على بعض تفاصيلها ، وشرعت أصالة صونا للنسب عن الاختلاط وكررت الأقراء الملحق بها الأشهر مع حصول البراءة بواحد استظهارا ، واكتفى بها مع أنها لا تفيد يقين البراءة لأن الحامل تحيض لكونه نادرا ( عدة النكاح ضربان الأول متعلق بفرقة ) زوج ( حي بطلاق أو فسخ ) بنحو عيب أو انفساخ بنحو لعان لأنه في معنى الطلاق المنصوص عليه ، وخرج بالنكاح الزنا فلا عدة فيه اتفاقا ، ووطء الشبهة فإنه ليس على ضربين إذ لا يكون إلا فرقة حي وهو ما لا يوصف بحل ولا حرمة وإن أوجب الحد على الموطوءة كوطء مجنون أو مراهق كاملة ولو زنا منها فتلزمها العدة لاحترام الماء ، وفي معنى الطلاق [ ص: 127 ] ونحوه ما لو مسخ الزوج حيوانا .

                                                                                                                            ( وإنما تجب بعد وطء ) بذكر متصل وإن كان زائدا وهو على سنن الأصلي ولعل وجهه الاحتياط لاحتمال الإحبال منه كاستدخال المني ولو في دبر من نحو صبي تهيأ للوطء كما أفتى به الغزالي وخصي وإن كان الذكر أشل خلافا للبغوي ، أو تيقن براءة رحمها قبل الطلاق كأن علقه بها ، أما قبله فلا عدة للآية كزوجة مجبوب لم تستدخل منيه وممسوح مطلقا إذ لا يلحقه الولد ( أو ) بعد ( استدخال منيه ) أي الزوج المحترم وقت إنزاله ولا أثر لوقت استدخاله كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، وإن نقل الماوردي عن الأصحاب اعتبار حالة الإنزال والاستدخال فقد صرحوا بأنه لو استنجى بحجر فأمنى ثم استدخلته أجنبية عالمة بالحال أو أنزل في زوجته فساحقت بنته مثلا فأتت بولد لحقه ، ويؤخذ من ذلك أنه لو أكره على الزنا بامرأة فحملت منه لم يلحقه الولد لأنا لا نعرف كونه منه ، والشرع منع نسبه منه كما ذكره الغزالي في وسيطه ولأنه وطء محرم ، ويفارق وطء الشبهة بأن ثبوت النسب فيه إنما جاء من جهة ظن الواطئ ولا ظن ههنا ، ووطء الأب جارية ابنه مع علمه بأن شبهة الملك فيها قامت مقام الظن وما ذكره المتولي من لحوقه به ضعيف ، وشمل كلام المصنف مني المجبوب لأنه أقرب للعلوق من مجرد إيلاج قطع فيه بعدم الإنزال ، وقول الأطباء الهواء يفسده فلا يتأتى منه ولد ظن لا ينافي الإمكان ، على أنه لو [ ص: 128 ] قيل بأنه متى حملت منه تبينا عدم تأثير الهواء فيه لم يبعد ومن ثم لحق به النسب أيضا ، أما غير المحترم عند إنزاله بأن أنزله من زنا فاستدخلته زوجته فلا عدة ولا نسب يلحق به .

                                                                                                                            ولو استمنى بيد من يرى حرمته فالأقرب عدم احترامه ، وتجب عدة الفراق بعد الوطء ( وإن تيقن براءة الرحم ) لكونه علق الطلاق بها فوجدت أو لكون الواطئ صغيرا أو الموطوءة صغيرة لعموم مفهوم قوله تعالى { من قبل أن تمسوهن } وتعويلا على الإيلاج لظهوره دون المني المسبب عنه العلوق لخفائه فأعرض الشرع عنه واكتفى بسببه وهو الوطء أو دخول المني ، كما أعرض عن المشقة في السفر واكتفى به لأنه مظنتها ( لا بخلوة ) مجردة عن وطء واستدخال مني محترم ومر بيانها في الصداق فلا عدة فيها ( في الجديد ) لمفهوم الآية ، وما جاء عن علي وعمر رضي الله عنهما من وجوبها منقطع والقديم تقام مقام الوطء

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            [ ص: 126 ] كتاب العدد ( قوله : غالبا ) ومن غير الغالب أن يكون بوضع الحمل ( قوله : عبادة كان ) أي كصلاة ، وقوله أو غيرها كعدة في بعض أحوالها ( قوله : لا يقال فيها ) أي العدة ( قوله وللطلاق تعلق بهما ) أي وذلك لأنه إذا مضت المدة في الإيلاء ولم يطالب طولب بالوطء أو الطلاق فإن لم يفعل طلق عليه القاضي على ما مر ، وإذا ظاهر ثم طلق فورا لم يكن عائدا ولا كفارة ( قوله : استظهارا ) أي طلبا لظهور ما شرعت لأجله وهو براءة الرحم ( قوله : واكتفى بها ) أي الأقراء ( قوله لأن الحامل ) تعليل للنفي ( قوله : لكونه ) أي حيض الحامل ( قوله : عدة النكاح ) أي الصحيح ا هـ حج وأما الفاسد فإن لم يقع فيه وطء فلا شيء فيه ، وإن وقع فهو وطء شبهة وهو ليس ضربين بل ليس فيه إلا ما في فرقة الحي كما يأتي ( قوله : وهو ما لا يوصف بحل ) وفي نسخة : وهو كل ما لم يوجب على الواطئ حدا وإن أوجبه على الموطوءة كوطء مجنون إلخ ، وهذا الحد أولى لأنه يرد على الأول وطء نحو المشتركة والمكاتبة وأمة ولده فإن ذلك شبهة أخرى مع الحرمة ، لكن يرد عليه وطء من أكره على الزنا فإنه لا يوجب الحد ومع ذلك تجب العدة به ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            لكن في حج بعد أو مجنون أو مراهق أو مكره كاملة ا هـ .

                                                                                                                            ومثله في شرح الروض وهو صريح في وجوب العدة بوطء المكره لعدم وجوب الحد عليه ( قوله : لاحترام الماء ) أي [ ص: 127 ] في المجنون حقيقة وفي المراهق حكما لكونه مظنة الإنزال ( قوله : ما لو مسخ الزوج حيوانا ) أي فتعتد عدة الطلاق ( قوله : وهو على سنن الأصلي ) أي بخلاف الزائد الذي ليس كذلك فلا تجب العدة بالوطء به وإن كان فيه قوة ( قوله : تهيأ للوطء ) ويشترط في الموطوءة أيضا تهيؤها للوطء ا هـ شيخنا زيادي وسم على منهج عن م ر ، وقال : إن م ر عبر عمن لم يتهيأ منهما بابن سنة ونحوها ، وقضية تخصيص الشارح بالصبي عدم اشتراطه في الصبية ، إلا أن يقال : أراد بالصبي ما يشمل الصبية فليراجع ( قوله : كأن علقه بها ) أي براءة الرحم ( قوله : أما قبله ) أي الوطء ( قوله : لم تستدخل منيه ) أي علم ذلك ، أما لو لم يعلم عدم استدخاله كأن ساحقها ونزل منيه ولم يعلم هل دخل فرجها أو لا فتجب به العدة ويلحق به النسب وتنقضي عدتها بالحمل الحاصل منه كما يعلم مما يأتي للشارح في أول الفصل الآتي من قوله أما إذا لم يكن كونه منه كصبي لم يبلغ إلخ ( قوله : وممسوح ) أي وكزوجة ممسوح إلخ ، وقوله مطلقا : أي استدخلت ماءه أو لا ، وظاهره وإن ساحقها حتى نزل ماؤه في فرجها ( قوله : ويؤخذ من ذلك ) أي من كونه محترما وقت الإنزال ، وقد يقال في الأخذ من ذلك نظر لأن من يقول بلحوق النسب يجعل ذلك المني محترما لعدم إيجاب الوطء المحصل له الحد ( قوله فحملت منه ) أي بأن لم يعلم وطؤها من زوج أو شبهة ويمكن كون الولد من ذلك الوطء ( قوله لم يلحقه الولد ) أي ولا عدة سم عن م ر على حج ( قوله : ويفارق وطء الشبهة ) أي حيث لحق به النسب ووجبت العدة ( قوله : ووطء الأب جارية ابنه ) أي أو وطء الشخص أمته المشتركة أو المكاتبة أو المبعضة للعلة المذكورة ( قوله : وما ذكره المتولي من لحوقه ) أي الولد ، وقوله ضعيف : أي ومع ضعفه هو مقتضى تعريف الشبهة بأنها كل وطء لا حد فيه ( قوله : وقول الأطباء ) راجع لاستدخال المني [ ص: 128 ] قوله : لم يبعد ) لكن هذا لا يرد على الأطباء لأنهم لا يعترفون بأن الولد منه بل يزعمون أنه من غيره كزنا أو شبهة ( قوله : من يرى حرمته ) كالشافعي ( قوله : فالأقرب عدم احترامه ) أي فلا يثبت النسب به ، وظاهره وإن كان ذلك لخوف الزنا وهو ظاهر ، وفي سم على حج ما نصه : قوله والأقرب الأول إلخ ، ويفارق استنزاله بالاستمتاع بنحو الحائض بأنها محل الاستمتاع وتحريم الاستمتاع بها عارض ، بخلاف الاستنزال باليد فإنه حرام في نفسه كالزنا ، ولا ينافي كونه حراما في نفسه أنه قد يحل ، إذا اضطر له بحيث لولاه وقع في الزنا لأن الحل حينئذ بتسليمه عارض م ر ا هـ ( قوله : لكونه علق الطلاق بما ) أي براءة الرحم ( قوله : فوجدت ) أي بأن حاضت بعد التعليق ( قوله : أو لكون الواطئ صغيرا ) أي يمكن وطؤه ( قوله : والموطوءة صغيرة ) أي يمكن وطؤها ( قوله : لا بخلوة ) وعليه فلو اختلى بها ثم طلقها فادعت أنه لم يطأ لتتزوج حالا صدقت بيمينها بناء على أن منكر الجماع هو المصدق وهو الراجح وإن ادعى الزوج الوطء ، ولو ادعى هو عدم الوطء حتى لا يجب عليه بطلاقه إلا نصف المهر صدق بيمينه ، وينبغي في هذه وجوب العدة عليها لاعترافها بالوطء ، وتقدم قبيل الإيلاء التصريح به في كلام المصنف حيث قال : وإذا طلق الزوج دون ثلاث وقال وطئت فلي الرجعة وأنكرت صدقت بيمينها أنه ما وطئها



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 126 ] كتاب العدد ( قوله : وهو اصطلاحا ما لا يعقل معناه ) قال الشهاب سم : لعل في حده مسامحة . ا هـ . أي لأن الذي لا يعقل معناه في عبارتهم هو المتعبد به لا نفس التعبد ( قوله : فلا عدة فيه ) هذا ليس من جملة ما أفهمه المتن كما لا يخفى ( قوله : وهو كل ما لم يوجب على الواطئ حدا إلخ . ) يرد عليه المكره على الزنا الآتي ، وبمثل هذا عبر حج ، لكن ذاك يختار أن المكره كالمجنون والمراهق ، وفي بعض نسخ الشارح بدل هذا ما نصه : وهو ما لا يوصف بحل ولا [ ص: 127 ] حرمة ، وإن أوجب الحد على الموطوءة . ا هـ .

                                                                                                                            والأولى أولى ، وإن أورد عليه ما ذكر ( قوله : بذكر متصل ، وإن كان زائدا ) وفي نسخة بذكر متصل أصلي أو زائد على ما ادعاه الزركشي ، ولعل وجهه الاحتياط لاحتمال الإحبال منه كاستدخال المني ولو في دبر إلخ . ( قوله : ويؤخذ من ذلك أنه لو أكره إلخ . ) انظر ما وجه الأخذ ( قوله : لأنا لا نعرف كونه منه ) قضيته أنه لو علم كونه منه يلحقه وينافيه قضية التعليل الثاني ، على أنه لا يناسب ما الكلام فيه من الاستدخال ( قوله : ووطء الأب ) هو بالنصب عطفا على وطء الشبهة [ ص: 128 ] قوله : لمفهوم الآية ) الظاهر لمنطوقها كما لا يخفى




                                                                                                                            الخدمات العلمية