الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل :

                                                                                                                                            وإذ قد مضت الدعوى على المنفرد ، فالحالة الثانية أن تكون الدعوى عليه مع جماعة شاركوه فيه . فيقول : قتله هذا مع جماعة ، فيسأل عن عددهم لاختلاف الحكم بقلة الشركاء وكثرتهم ، ولا يلزم التعين عليهم بأسمائهم ، وإن كان تعينهم مع ذكر عددهم أوكد وأحوط . وله حالتان :

                                                                                                                                            إحداهما : أن يذكر عددهم .

                                                                                                                                            والثانية : أن لا يذكر العدد . فإن ذكر عددهم ، فقال : هذا واثنان معه . سأل هل شاركاه عمدا أو خطأ ؟ لأن شركة الخاطئ تسقط القود عن العامد .

                                                                                                                                            وله في الجواب ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يقول : شاركاه عمدا .

                                                                                                                                            والثاني : أن يقول : شاركاه خطأ .

                                                                                                                                            والثالث : أن لا يعلم صفة شركتهما له ، هل كانت عمدا أو خطأ ؟ فإن وصف [ ص: 34 ] الشركة بالعمد ، سئل لحاضر المدعى عليه ، فإن أقر وجب عليه القود .

                                                                                                                                            وإن أنكر ولا لوث ، حلف وبرئ ، وإن كان لوث أحلف المدعي خمسين يمينا ، وإن كان على واحد من ثلاثة : لأن الحق في القسامة لا يثبت إلا بها ، وهل يحكم له بالقود أم لا ؟ على قولين وإن وصف الشركة بالخطأ ، لم يحكم له بالقود إذا أقسم قولا واحدا . وكذلك إذا لم يعلم صفة الشركة هل كانت عمدا أو خطأ ؟ لجواز أن تكون خطأ ، فلا يحكم بالقود مع الشك ، وحكم له بثلث الدية المغلظة حالة في مال الجاني : لأنها مستحقة عن عمد على كل واحد من ثلاثة . وإن حضر ثان بعد القسامة على الأول لم يكن الحكم بها على الأول حكما على الثاني ، وسأل الثاني عنها ، فإن أقر وكان عامدا اقتص منه ، وإن كان خاطئا وجب ثلث الدية عليه دون عاقلته : لأن العاقلة لا تتحمل اعتراف الجاني .

                                                                                                                                            وإن أنكر الثاني : نظر فيه هل كان مشاركا في اللوث أو غير مشارك فيه ، فإن كان غير مشارك في اللوث : لأن الأول كان في دار المقتول والثاني لم يكن فيها ، لم يحكم بالقسامة في الثاني وإن حكم بها في الأول : لأن لكل واحد منهما حكم نفسه ، فيبدأ بيمين المدعي في الأول ويمين المدعى عليه في الثاني . وإن كان مشاركا في اللوث لوجوده مع الأول في دار المقتول ، أقسم المدعي على الثاني ، وفي عدد ما يقسم به على الثاني وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : خمسون يمينا كالأول .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : خمسة وعشرون . يمينا واختاره أبو إسحاق المروزي : لأن حصته من الخمسين لو حضر مع الأول خمسة وعشرون يمينا فإن وصف قتله بالعمد ففي وجوب القود عليه بعد القسامة ، قولان : وإن وصفه بالخطأ فقسطه من الدية على عاقلته ، لوجوبها بالقسامة .

                                                                                                                                            وإن جهل المدعي صفة قتله ، ففي جواز القسامة عليه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : لا تجوز القسامة عليه : للجهل بموجبها ؛ لأن دية العمد عليه ، ودية الخطأ على عاقلته .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : - وهو محكي عن أبي إسحاق المروزي - : تجوز القسامة عليه : لأن الجهل بصفة القتل لا يكون جهلا بأصل القتل .

                                                                                                                                            فإذا أقسم الولي المدعي حبس الثاني حتى يبين صفة القتل ، هل كانت عمدا أو خطأ ، فإن تطاول حبسه ولم يبين ، أحلف ما قتله عمدا ، ولزم دية الخطأ في ماله مؤجلة وفي تغليظ هذه اليمين عليه بالعدد وجهان ؛ فإن حضر الثالث بعد الثاني كان كحضور [ ص: 35 ] الثاني بعد الأول ، فيكون حكمه على ما ذكرناه في الثاني ، إلا في شيء واحد ؛ وهو أنه إذا أقسم الولي المدعي ، وقلنا : تقسم الأيمان بالحصة ، حلف الثالث سبعة عشر يمينا هي ثلثها بعد جبر كسرها : لأنه أحد ثلاثة ، لو اجتمعوا لكانت حصته من الخمسين ثلثها ، هذا حكمه إذا ذكر المدعي عدد الشركاء في القتل .

                                                                                                                                            فأما إذا لم يذكر عددهم ، لم تخل دعواه من أن تكون في قتل عمد أو خطأ فإن كانت في خطأ ، لم تكن له القسامة : لأنه جاهل بقدر ما يستحقه منها ؛ لأنه إن شارك واحدا استحق عليه نصف الدية ، وإن كانوا عشرة استحق عليه عشرها ، وإن كان عمدا يوجب القود ، فإن قلنا : إنه لا قود في القسامة على قوله في الجديد ، فلا قسامة : لأن موجبها الدية وقدر استحقاقه منها مجهول كالخطأ .

                                                                                                                                            وإن قلنا بوجوب القود في القسامة على قوله في القديم ، ففي جواز القسامة وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : تجوز ويقسم بها المدعي : لأن القود استحق على الواحد إذا انفرد كاستحقاقه عليه في مشاركة العدد .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو قول أبي إسحاق المروزي وأبي علي بن أبي هريرة : لا يجوز أن يقسم : لأنه قد يعفو عن القود إلى الدية ، فلا يعلم قدر استحقاقه منها ، والحكم يجب أن يكون قاضيا بما ينفصل به التنازع .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية