الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 353 ] الإعراب:

                                                                                                                                                                                                                                      تقدم القول في معنى {فزع} ؛ بالزاء والعين، ومن بناه للفاعل؛ ففاعله ضمير يرجع إلى اسم الله عز وجل، ومن بناه للمفعول؛ فالجار والمجرور في موضع رفع، والفعل في المعنى لله عز وجل، والمعنى في القراءتين: أزيل الفزع عن قلوبهم، حسب ما قدمناه، ومثله: (أشكاه) ؛ إذا أزال عنه ما يشكوه.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأه {فزع} ؛ بالزاي والعين، والتخفيف؛ فالجار والمجرور أيضا في موضع رفع، حسب ما تقدم، وهو كقولك: (انصرف من كذا إلى كذا)، وكذلك معنى {فرغ} ؛ بالراء والغين غير مسمى الفاعل، والتخفيف.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: {فرغ} فالمعنى: فرغ الله قلوبهم؛ أي: كشف عنها؛ أي: فرغها من الفزع، وإلى ذلك يرجع البناء للمفعول، على هذه القراءة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين : {إياكم} معطوف على اسم (إن) ؛ والمعنى: وإنا لعلى هدى أو في ضلال مبين، وإنكم لكذلك. [ ص: 354 ] فقوله: لعلى هدى أو في ضلال مبين خبر عن الثاني على مذهب سيبويه، وحذف خبر الأول لدلالة الثاني عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      وهو على مذهب المبرد على التقديم والتأخير، فقوله: لعلى هدى أو في ضلال مبين خبر عن الأول، وخبر الثاني محذوف؛ لدلالة الأول عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      ولو قيل في الكلام: (وإنا أو أنتم لعلى هدى أو ضلال مبين) ؛ لجاز، ولكان محمولا على التأخير، ومرفوعا بالابتداء، ويكون قوله: لعلى هدى أو في ضلال مبين خبرا عن الأول، وخبر الثاني محذوف في قول الجماعة، وهو كقولك: إن زيدا وعمرو قائم، ومثله قول الشاعر: [من الوافر]


                                                                                                                                                                                                                                      وإلا فاعلموا أنا وأنتم بغاة ما بقينا في شقاق



                                                                                                                                                                                                                                      ولا يصح في هذا العطف على الموضع؛ لأن الحمل على التأويل قبل تمام الكلام فاسد.

                                                                                                                                                                                                                                      و (أو) عند البصريين على بابها، وليست للشك، ولكنها على ما تستعمله العرب في مثل هذا، إذا لم يرد المخبر أن يبين وهو عالم بالمعنى.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 355 ] وقال أبو عبيدة: هي بمعنى الواو.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قل أروني الذين ألحقتم به شركاء : يجوز أن يكون من (رأيت) المعتدي إلى مفعولين، فيكون {شركاء} المفعول الثالث؛ والتقدير: أروني الذين ألحقتموهم به شركاء؛ [أي جعلتموهم له شركاء]؛ أي: دلوني على هذا الذي تدعونه، ويجوز أن يكون من رؤية البصر، فيكون {شركاء} حالا، ويكون التقدير: أوجدونيهم مشركين؛ أي: في هذه الحال.

                                                                                                                                                                                                                                      قل لكم ميعاد يوم : أضيف (الميعاد) اتساعا، ويجوز: (ميعاد يوم)، على أن يكون (ميعاد) ابتداء، و (يوم): بدل منه، والخبر (لكم).

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 356 ] ويجوز: (ميعاد يوما)، على أن ينصب (يوما) على الظرف، وتكون الهاء في {عنه} ضميره.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا تصح إضافة {يوم} إلى ما بعده إذا قدرت الهاء عائدة عليه؛ لكون ذلك إضافة الشيء إلى نفسه؛ من أجل الهاء التي في الجملة، ويجوز ذلك على أن تكون الهاء لـ (الميعاد).

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ {بل مكر الليل والنهار} ؛ فالتقدير: بل مكر كائن في الليل والنهار؛ فحذف، ويجوز أن يقدر تعلقه بـ (مكر) من غير حذف؛ فيكون التقدير: بل مكر في الليل والنهار صدنا.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى {بل مكر الليل والنهار} على قراءة من قرأ ذلك: بل كرورهما، وارتفاعه بالابتداء، والخبر محذوف، حسب ما قدمناه، ويجوز أن يرفع بفعل مضمر دل عليه: أنحن صددناكم ؛ كأنهم لما قالوا لهم: أنحن صددناكم عن الهدى قالوا لهم: بل صدنا مكر الليل والنهار.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 357 ] و {إذ} من قوله إذ تأمروننا يجوز أن تتعلق بـ (المكر) ؛ أي: مكرهما في هذا الوقت، ويجوز أن تكون حالا من (المكر) ؛ أي: مكرهما كائنا في هذا الوقت؛ فيكون حالا من الحدث.

                                                                                                                                                                                                                                      وقراءة الجماعة على تقدير: بل مكر الليل والنهار صدنا، وقال الأخفش: هو على تقدير: هذا مكر الليل والنهار.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى : قال الفراء: (التي): للأموال والأولاد، وقيل: هي للأولاد خاصة، وحذف خبر (الأموال) ؛ لدلالة الثاني عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      وموضع {زلفى} نصب على المصدر؛ كأنه قال: بالتي تقربكم عندنا تقريبا. إلا من آمن وعمل صالحا موضع {من} نصب على الاستثناء.

                                                                                                                                                                                                                                      الزجاج هي بدل من الكاف والميم في {تقربكم}، وفيه بعد؛ بسبب بدل الغائب من المخاطب، وأجاز الفراء كون موضعها رفعا؛ على تقدير: ما هو إلا [ ص: 358 ] من آمن.

                                                                                                                                                                                                                                      والقول في {الغرفات}، {يدرسونها} ظاهر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أن تقوموا لله مثنى وفرادى يجوز أن يكون موضع {أن} جرا على البدل من {واحدة}، ويجوز أن يكون رفعا على إضمار مبتدأ.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: {وأخذ من مكان قريب} ؛ جاز أن يكون ارتفاعه بفعل مضمر دل عليه: فلا فوت ؛ كأنه قال: وأحاط بهم أخذ، وجاز أن يكون مبتدأ محذوف الخبر، ودل عليه ما دل على الفعل؛ فكأنه قال: وثم أخذ.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ {وأخذوا} ؛ فهو معطوف على ما دل عليه: فلا فوت ؛ كأنه قال: أحيط بهم، وأخذوا، ولا يكون معطوفا على(فزعوا) ؛ لأن المعنى على: ولو ترى إذا فزعوا؛ فلم يفوتوا، وأخذوا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد تقدم القول في {التناوش}.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: {ويقذفون بالغيب} ؛ فالمعنى: يرمون، وقد تقدم قول ابن [ ص: 359 ] زيد: إنه القرآن، ومن قرأ: {ويقذفون} ؛ أراد: تخرصهم.

                                                                                                                                                                                                                                      * * *

                                                                                                                                                                                                                                      هذه السورة مكية، وعددها أربع وخمسون آية في جميع الأعداد، سوى الشامي؛ فهي فيه خمس وخمسون آية، عد: عن يمين وشمال [15]، ولم يعدها من سواه.

                                                                                                                                                                                                                                      * * *

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية