الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 291 - 292 ] ( باب ) تقطع اليمنى ، وتحسم بالنار ، [ ص: 293 ] إلا لشلل ، أو نقص أكثر الأصابع ، فرجله اليسرى ، ومحي ليده اليسرى .

التالي السابق


( باب )

( في بيان أحكام السرقة وما يتعلق بها )

ابن عرفة السرقة أخذ مكلف حرا لا يعقل لصغره أو مالا محترما لغيره نصابا أخرجه من حرز بقصد واحد خفية لا شبهة له فيه فيخرج أخذ غير الأسير مال حربي وما جمع بتعدد إخراج وقصد والأب مال ولده والمضطر في المجاعة . البناني أورد على طرده أخذ من أذن له في دخول موضع شيئا منه فإنه لا يقطع كما يأتي وأخذ خمر الذمي . وأجيب عن الأول بأنه لما أذن له في دخوله صار غير حرز بالنسبة له ، وعن الثاني بأن الخمر ليست بمال ، وأورد الخرشي على عكسه سرقة النصاب من سارقه فإنه يقطع أيضا ، وفيه نظر ، فإن المسروق محترم . وفي حرز بالنسبة للثاني أيضا فلم تخرج سرقته من الحد .

( تنبيه ) : عياض أخذ المال بغير حق ضروب عشرة حرابة وغيلة وغصب وقهر وخيانة وسرقة واختلاس وخديعة وتعد وجحد ، واسم الغصب يطلق عليها كلها في اللغة ، فالحرابة [ ص: 292 ] أخذه بمكابرة ومدافعة والغيلة أخذه بعد قتل صاحبه بحيلة وحكمها حكم الحرابة والغصب أخذه بالقوة والسلطنة ، والقهر أخذ قوي الجسم من ضعيفه والجماعة من الواحد ، والخيانة أخذ قبله أمانة أو يدا ، والسرقة أخذه خفية والاختلاس أخذه بحضرة صاحبه على غفلة ، وفرار آخذه بسرعة والخديعة أخذه بحيلة كالتشبه بصاحب الحق والتزيي بزي الصلاح والفقر ليأكل بذلك والجحد إنكار ما تقرر في ذمة الجاحد وأمانته وهو نوع من الخيانة والتعدي أخذه بغير إذن صاحبه بحضرته أو غيبته ، نقله أبو الحسن ، أفاده البناني .

( تقطع ) بضم الفوقية يد السارق ( اليمنى ) الصحيحة من كوعها أي المفصل الذي يلي الإبهام كما بينته السنة وقيدت به إطلاق الآية المحتملة كونه منه أو من المرفق أو من المنكب ، وظاهره ولو كان أعسر وهو كذلك ، وبدئ باليمنى لأنها المباشرة للأخذ غالبا من مكلف مسلم أو كافر حر أو رق ذكر أو أنثى قاله تت . الحط انظر قول اللخمي لو كان أعسر قطعت يده اليسرى مع وجود اليمنى لأنها التي سرقت فإنه غريب ، ولم أقف عليه لغيره ولم يتعقبه ابن عرفة ولا المصنف في التوضيح .

( وتحسم ) بضم الفوقية ، أي تجعل عقب قطعها في زيت مغلي ( بالنار ) لتنسد أفواه عروقها فينقطع سيلان الدم منها لئلا يتمادى به فيموت . وفي عمدة ابن عساكر تحسم بالزيت والمعنى واحد لأن الزيت يغلي بالنار ثم تجعل فيه ، وظاهره أن حسمها من تمام حده وهو قول وعليه فهو واجب على الإمام . وقيل واجب مستقل والظاهر أن المخاطب به الإمام والمقطوعة يده معا لقول الأبي عن ابن عرفة من قطعت يده بحق فلا يجوز له ترك مداواتها ، فإن تركها فهو من معنى قتله نفسه ، بخلاف قطعها ظلما فله تركها حتى يموت وإثمه على قاطعه . والظاهر إثم الإمام أيضا إن تركها عمدا . ا هـ . وانظر هذا مع قوله ووجب إن رجا حياة أو طولها أفاده شب .

ابن عرفة الشيخ في المختصر الكبير الإمام مالك " رضي الله عنه " تقطع يد السارق ثم يحسم [ ص: 293 ] موضع القطع بالنار ، وكذا في الرجل ، وحده في اليد من مفصل الكوع ، وفي الرجل من مفصل الكعبين .

واستثنى من اليمنى فقال ( إلا لشلل ) بفتح الشين المعجمة واللام ، أي فساد باليمنى . ابن عرفة وفيها إن سرق ولا يمين له أو له شلاء قطعت رجله اليسرى قاله الإمام مالك " رضي الله عنه " ، ثم عرضت عليه فمحاها ، وقال تقطع يده اليسرى ، وقوله في الرجل اليسرى أحب إلي ، وبه أقول . ابن زرقون وقال ابن وهب وأبو مصعب تقطع اليد الشلاء . قلت وثالثها لابن الحارث عن أشهب إن كان شللا خفيفا قطعت ، وإن كان كثيرا قطعت اليسرى . الباجي إن كانت يمناه شلاء فإن كان الشلل بينا لا يقتص منه فلا تقطع . اللخمي ابن وهب تقطع إن كانت ينتفع بها .

( أو ) ل ( نقص أكثر الأصابع ) كثلاثة من اليمنى خلقة أو بقطع وأولى كلها ( فتقطع رجله اليسرى ) من مفصل الكعبين كما في الحرابة وقاله الأئمة لأنه الذي مضى عليه العمل ، وعن علي كرم الله وجهه من معقد الشراك ليبقى له عقب يمشي عليه ، ودل كلامه على قطع اليمنى الناقصة أصبعا وأصبعين وهو كذلك ( ومحي ) بضم فكسر قطع الرجل اليسرى في صورة شلل اليمنى ( ل ) إثبات قطع ( يده اليسرى ) وأما صورة نقص أكثر أصابع اليمنى فلم يمح فيها قطع رجله اليسرى .

فيها إن سرق ولا يمنى له أو له يمين شلاء أو لم يبق من يمنى يديه إلا أصبع أو أصبعان قطعت رجله اليسرى . ابن يونس لو سرق أولا ولا يمنى له قطعت رجله اليسرى قاله الإمام مالك " رضي الله عنه " ، وبه أخذ ابن القاسم رحمه الله تعالى ، ثم قال مالك " رضي الله عنه " بعد ذلك تقطع يده اليسرى ثم قال قال مالك " رضي الله عنه " إن سرق ويده اليمنى شلاء قطعت رجله اليسرى . ابن القاسم ثم عرضتها فمحاها وأبى أن يجيب فيها بشيء ثم بلغني أنه قال تقطع يده اليسرى ، وأراه تأول قوله تعالى { فاقطعوا أيديهما } والقول الأول أحب إلي . [ ص: 294 ] شب والمحو هو المذهب ، ولذا فرع عليه ، واتفق المحو للإمام مالك " رضي الله عنه " في أربع مسائل نظمها بعضهم بقوله :

المحو في الأيمان والأضاحي وفي كتاب القطع والنكاح والراجح المحو في اثنتين
قطع وأيمان بغير مين ثم الذي أثبت في الأضاحي
تأكيد ندب ذبحه يا صاح والمحو في الأيمان حنثه إذا
لم ينو شيئا وهو قول محتذا

.

( تنبيه ) طفي ظاهره أن المحو وقع في الشلل والنقص ، وهكذا فعل في توضيحه ، وليس كذلك ، وإنما وقع في الشلل وفيمن لا يمنى له ، ونصها على اختصار أبي سعيد إن سرق ولا يمين له أو له يمين شلاء قطعت رجله اليسرى قاله مالك " رضي الله عنه " ، ثم عرضتها عليه فمحاها وقال تقطع يده اليسرى ، وقوله في الرجل اليسرى أحب إلي وبه أقول . ا هـ . وهكذا في الجواهر ثم قال في المدونة وإن لم يبق من يده اليمنى إلا أصبع أو أصبعان قطعت رجله اليسرى . ا هـ . ولم يذكر في المدونة فيها رجوعا ولا محورا ولا خلافا ، وكذا اللخمي ، واختصر لفظها ، وقد اعترض عج المصنف قائلا ناقصة أكثر الأصابع ينتقل منها للرجل اليسرى ولا ينتقل لليد اليسرى في قول . ا هـ . ونقله البناني ثم قال على أن ابن مرزوق اعترض أيضا على أبي سعيد في ذكره المحو فيمن لا يمين له مع أنه إنما هو في الشلل ، ونصه ظاهره أن المحو في الشلل ونقص أكثر الأصابع وظاهر التهذيب أنه فيمن لا يمين له ، وفي اليد الشلاء وليس كذلك فيهما ، وإنما هو في الشلل كما في الأمهات لكن الحكم واحد ا هـ .

واختصر ابن يونس ما في الأمهات وذكر نصه المتقدم ثم قال ، وقد اعترض أبو الحسن على التهذيب بكلام الأمهات وتبعه ابن ناجي ، ويرد مثله على ابن عرفة لاقتصاره على لفظ التهذيب ، والله الموفق . وأشار ابن ناجي إلى الجواب عن التهذيب بأنه ليس [ ص: 295 ] المراد بالمحو حقيقته ، وإنما المراد به الرجوع ، ولذا دونه ابن القاسم والناس ا هـ . البناني يعكر عليه عدهم الممحوات أربعا ولو كان المراد مطلق الرجوع لما انحصرت فيها ، والله أعلم .




الخدمات العلمية