الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( ويكره أن يبول قائما من غير عذر ، لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال " ما بلت قائما منذ أسلمت " ولأنه لا يأمن أن يترشش عليه ولا يكره ذلك [ ص: 99 ] لما روي { : أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما لعلة بمأبضيه } " ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) أما الأثر المذكور عن عمر رضي الله عنه فذكره الترمذي في كتابه تعليقا لا مسندا ، وروى ابن ماجه والبيهقي عن عمر أنه قال : " { أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبول قائما فقال : يا عمر ، لا تبل قائما ، فما بلت بعد قائما } " لكن إسناده ضعيف . وروي عن جابر قال : " { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبول الرجل قائما } رواه ابن ماجه والبيهقي وضعفه البيهقي وغيره ، ويغني عن هذا حديث عائشة رضي الله عنها قالت : " { من حدثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول قائما فلا تصدقوه ، ما كان يبول إلا قاعدا } " رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي وغيرهم وإسناده جيد وهو حديث حسن . وأما الحديث الآخر { : أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما } " فصحيح رواه البخاري ومسلم من رواية حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما والذي في الصحيحين " أتى سباطة قوم فبال قائما " وأما قوله : لعلة بمأبضيه فرواه البيهقي من رواية أبي هريرة لكن قال : لا تثبت هذه الزيادة ، وذكر الخطابي ثم البيهقي في سبب بوله صلى الله عليه وسلم قائما أوجها : ( أحدها ) قالا وهو المروي عن الشافعي رحمه الله : أن العرب كانت تستشفي بالبول قائما لوجع الصلب فنرى أنه كان به صلى الله عليه وسلم إذ ذاك وجع الصلب قال القاضي حسين في تعليقه . وصار هذا عادة لأهل هراة يبولون قياما في كل سنة مرة إحياء لتلك السنة .

                                      ( والثاني ) أنه لعلة بمأبضيه .

                                      ( والثالث ) أنه لم يجد مكانا يصلح للقعود ، فاحتاج إلى القيام إذا كان الطرف الذي يليه عاليا مرتفعا ، ويجوز وجه رابع أنه لبيان الجواز . وأما السباطة فبضم السين وهي ملقى التراب والكناسة ونحوها ، تكون بفناء الدور مرفقا للقوم ، قال الخطابي : ويكون ذلك في الغالب سهلا لينا [ ص: 100 ] منثالا يخد فيه البول ، ولا يرجع على البائل ، وأما المأبض . فبهمزة ساكنة بعد الميم ثم باء موحدة مكسورة ثم ضاد معجمة ، ويجوز تخفيف الهمزة بقلبها ألفا كما في رأس وأشباهه ، والمأبض باطن الركبة من الآدمي وغيره ، وجمعه مآبض بالمد ، كمسجد ومساجد ، وأما بوله صلى الله عليه وسلم في سباطة القوم ، فيحتمل أوجها : ( أظهرها ) أنه علم أن أهلها يرضون ذلك ولا يكرهونه ، ومن كان هذا حاله جاز البول في أرضه .

                                      ( الثاني ) أنها لم تكن مختصة بهم بل كانت بفناء دورهم للناس كلهم فأضيفت إليهم لقربها منهم .

                                      ( الثالث ) أنهم أذنوا لمن أراد قضاء الحاجة فيها بصريح الإذن أو بمعناه ، والله أعلم .

                                      ( أما حكم المسألة ) فقال أصحابنا : يكره البول قائما بلا عذر كراهة تنزيه ولا يكره للعذر وهذا مذهبنا ، وقال ابن المنذر : اختلفوا في البول قائما فثبت عن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت وابن عمر وسهل بن سعد أنهما بالوا قياما ، وروي ذلك عن علي وأنس وأبي هريرة ، وفعله ابن سيرين وعروة ، وكرهه ابن مسعود والشعبي وإبراهيم بن سعد وكان إبراهيم بن سعد لا يقبل شهادة من بال قائما . قال وقال مالك : إن كان في مكان يتطاير إليه من البول شيء فمكروه ، وإن كان لا يتطاير فلا كراهة ; قال ابن المنذر : البول جالسا أحب إلي وقائما مباح وكل ذلك ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .




                                      الخدمات العلمية