الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الرتبة الثالثة : رتبة الناجين ، وأعني بالنجاة السلامة فقط دون السعادة والفوز وهم ، قوم لم يخدموا فيخلع عليهم ولم يقصروا فيعذبوا ، ويشبه أن يكون هذا حال المجانين والصبيان من الكفار والمعتوهين والذين لم تبلغهم الدعوة في أطراف البلاد وعاشوا على البله ، وعدم المعرفة فلم يكن لهم معرفة ولا جحود ولا طاعة ولا معصية فلا وسيلة تقربهم ولا جناية تبعدهم فما هم من أهل الجنة ولا من أهل النار بل ينزلون في منزلة بين المنزلتين ، ومقام بين المقامين ، عبر الشرع عنه بالأعراف وحلول طائفة من الخلق فيه معلوم يقينا من الآيات والأخبار .

ومن أنوار الاعتبار .

التالي السابق


(الرتبة الثالثة: رتبة الناجين، وأعني بالناجين أصحاب السلامة فقط دون) أصحاب (السعادة والفوز، وهو قوم لم يخدموا فينخلع عليهم) في مقابلة خدمتهم، (ولم يقصروا فيعذبوا، ويشبه أن يكون هذا حال المجانين) الذين سلبت عقولهم، (والصبيان من الكفار) يعني أولاد المشركين، (والمعتوهين) من العته محركة، وهو نقص العقل من غير جنون، وفي التهذيب: المعتوه المدهوش من غير مس أو جن، (والذين لم تبلغهم الدعوة) من الأنبياء عليهم السلام (في أطراف البلاد) ، وأقاصيها، كما قيل في أهل الصين، (وعاشوا على البله، وعدم المعرفة فلم تكن لهم معرفة ولا جحود ولا طاعة ولا معصية ولا وسيلة تقربهم) إلى الله تعالى، (ولا جناية تبعدهم) عن الله تعالى (فما هم من أهل الجنة ولا من أهل النار بل ينزلون في منزلة بين المنزلتين، ومقام بين المقامين، عبر الشرع عنه بالأعراف) ، وأعرف الحجاب أعاليه، وهو السرر المضروب بين الفريقين، أو بين الجنة والنار، جمع عرف بالضم من عرف الفرس، وقيل: العرف ما ارتفع من الشيء، وقد اختلف فيه أقوال السلف فقال مجاهد: الأعراف حجاب بين الجنة والنار، وسور له باب أخرجه هناد وعبد بن حميد، وقال حذيفة: هو سور بين الجنة والنار، أخرجه سعيد بن منصور، وقال ابن عباس: هو الشيء المشرف، أخرجه البيهقي في المبعث، وعنه أيضا قال: سور له عرف كعرف الديك، أخرجه هناد، وعبد بن حميد، وقال سعيد بن جبير: جبال بين الجنة والنار، أخرجه أبو الشيخ، وقال كعب: هو في كتاب الله عمقا ما سقطا ما، قال ابن لهيعة: أي واد عميق خلف جبل مرتفع، أخرجه ابن أبي حاتم، (وحلول طائفة من الخلق فيه معلوم يقينا من الآيات والأخبار من أنواع الاعتبار) فالآيات قوله تعالى: فضرب بينهم بسور الآية، وقوله تعالى: وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم الآية، وأما الأخبار فقد قال العراقي: روى البزار من حديث أبي سعيد الخدري: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف فقال: "هم رجال قتلوا في سبيل الله وهو عصاة لآبائهم، فمنعتهم الشهادة أن يدخلوا النار، ومنعتهم المعصية أن يدخلوا الجنة، وهم على سور بين الجنة والنار"..الحديث، وفيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهو ضعيف، ورواه الطبراني من رواية أبي معشر، عن يحيى بن شبل، عن عمر بن عبد الرحمن المدني، عن أبيه، مختصرا، وأبو معشر السندي اسمه نجيح، ضعيف، ويحيى بن شبل لا يعرف، وللحاكم من حديث حذيفة قال: "أصحاب الأعراف قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار، وقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة" الحديث. وقال: صحيح على شرط الشيخين، وروى الثعلبي عن ابن عباس: قال: الأعراف موضع عال في الصراط عليه العباس وحمزة وعلي وجعفر. الحديث، هذا كذب موضوع، فيه جماعة من الكذابين ا هـ .

قلت: حديث أبي سعيد هذا قد رواه أيضا ابن مردويه بسند الطبراني ولفظه: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف فقال: هم رجال قتلوا في سبيل الله فذكره، بسياق البزار، وفيه بعد قوله: وهم على سور بين الجنة والنار، حتى تزول لحومهم وشحومهم حتى يفرغ الله من حساب الخلائق، فإذا فرغ من حساب خلقه، فلم يبق غيرهم أدخلهم الجنة برحمته، وفي الباب عبد الرحمن المزني، ورجل من مزينة، قيل: عبد الرحمن، وقيل: غيره، وأبو هريرة، وابن عباس، ومالك الهلالي، فلفظ عبد الرحمن المزني: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف فقال: هم قوم قتلوا في سبيل الله في معصية آبائهم، فمنعهم من النار قتلهم في سبيل الله، ومنعهم من الجنة معصية آبائهم، أخرجه سعيد بن منصور، وابن منيع، وعبد الرحمن بن حميد، والحارث بن أبي أسامة في مسنديهما، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في كتاب الأضداد، والخرائطي في مساوئ الأخلاق، والطبراني، وأبو الشيخ، وابن مردويه، والبيهقي في البعث، ولفظه: حدث رجل من مزينة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أصحاب الأعراف فقال: إنهم قوم خرجوا عصاة بغير إذن آبائهم فقتلوا في سبيل الله، أخرجه أبو الشيخ وابن مردويه من طريق [ ص: 565 ] محمد بن المنكدر عنه، ولفظ حديث أبي هريرة: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف قال: هم قوم قتلوا في سبيل الله وهم لآبائهم عاصون فمنعوا الجنة بمعصيتهم آباءهم، ومنعوا النار بقتلهم في سبيل الله، أخرجه ابن مردويه، والبيهقي في البعث، ولفظ حديث ابن عباس: أن أصحاب الأعراف قوم خرجوا غزاة في سبيل الله وآباؤهم وأمهاتهم ساخطون عليهم، وخرجوا من عندهم بغير إذنهم، فأوقفوا عن النار بشهادتهم وعن الجنة بمعصية آبائهم، أخرجه ابن مردويه، ولفظ حديث مالك الهلالي قال قائل: يا رسول الله ما أصحاب الأعراف؟ قال: قوم خرجوا في سبيل الله بغير إذن آبائهم، فاستشهدوا فمنعتهم الشهادة أن يدخلوا النار، ومنعتهم معصية آبائهم أن يدخلوا الجنة آخر من يدخل الجنة، أخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده، وابن جرير، وابن مردويه من طريق عبد الله بن مالك الهلالي عن أبيه .

وهناك أقوال أخر في تعيين أصحاب الأعراف منها حديث حذيفة الذي أشار إليه العراقي; أخرجه عبد الرازق، وسعيد بن منصور، وهناد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والبيهقي في البعث بلفظ: "أصحاب الأعراف قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، تجاوزت بهم حسناتهم عن النار، وقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة، جعلوا على سور بين الجنة والنار حتى يقضى بين الناس، فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم ربهم فقال: قوموا فادخلوا الجنة فإني غفرت لكم".

وعند ابن جرير عنه قال: "أصحاب الأعراف قوم كانت لهم أعمال أنجاهم الله بها من النار، وهم آخر من يدخل الجنة فعرفوا أهل الجنة وأهل النار، وفي لفظ آخر: قال: قوم تكافأت أعمالهم فقصرت بهم حسناتهم عن الجنة، وقصرت بهم سيئاتهم عن النار، فجعلوا على الأعراف يعرفون الناس بسيماهم" .

وعند البيهقي في الشعب عنه أراه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يجمع الناس يوم القيامة فيؤمر بأهل الجنة إلى الجنة، ويؤمر بأهل النار إلى النار، ثم يقال لأصحاب الأعراف: ما تنتظرون؟ قالوا: ننتظر أمرك، فيقال لهم: إن حسناتكم تجاوزت بكم النار أن تدخلوها، وحالت بينكم وبين الجنة خطاياكم، فادخلوا بمغفرتي ورحمتي"، وقد روى مثل هذا القوم عن جماعة من الصحابة والتابعين .

فأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة، قال في أصحاب الأعراف: ذكر لنا عن ابن عباس كان يقول: استوت حسناتهم وسيئاتهم، فحبسوا هناك، وأخرج ابن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه قال: أصحاب الأعراف قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فوقفوا هنالك على السور. الحديث .

وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال: من استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف، وروي مثله عن ابن مسعود أخرجه ابن جرير، وأخرج عبد بن حميد، وأبو الشيخ، والبيهقي في البعث عن مجاهد في أصحاب الأعراف قال: هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، وهم على سور بين الجنة والنار، وهم على طمع من دخول الجنة وهم داخلون.

وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال: "يحاسب الناس يوم القيامة; فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة، ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار، ثم قال: إن الميزان يخفف بمثقال حبة ويرجح، قال: ومن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف فوقفوا على الصراط" الحديث .

وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه، وابن عساكر عن جابر بن عبد الله رفعه: "يوضع الميزان يوم القيامة فتوزن الحسنات والسيئات، فمن رجحت حسناته على سيئاته مثقال صؤابة دخل الجنة، ومن رجحت سيئاته على حسناته مثقال صؤابة دخل النار، قيل: يا رسول الله فمن استوت حسناته وسيئاته، قال: أولئك أصحاب الأعراف لم يدخلوها وهم يطمعون".

وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن أبي زرعة عمرو بن جرير قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف، قال: هم آخر من يفصل بينهم من العباد، فإذا فرغ رب العالمين من الفصل بين العباد قال: أنتم قوم أخرجتكم حسناتكم من النار، ولم تدخلوا الجنة فأنتم عتقائي فارعوا من الجنة حيث شئتم.

وأخرج الفريابي، وابن أبي شيبة، وهناد وعبد بن حميد وابن جرير، وابن المنذر، وأبو الشيخ عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: أصحاب الأعراف أناس استوت حسناتهم، وسيئاتهم فيذهب بهم إلى نهر يقال له: الحياة. الحديث، وقيل: أصحاب [ ص: 566 ] الأعراف ناس من أهل الذنوب حبسوا على تل بين الجنة والنار، أخرجه ابن جرير عن ابن عباس، وفي لفظ قال: الأعراف هو السور الذي بين الجنة والنار، وأصحابه رجال كانت لهم ذنوب عظام، وكان أمرهم الله أن يقوموا على الأعراف. الحديث، وهكذا رواه ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والبيهقي في البعث، وقيل: هم قوم صالحون فقهاء علماء، وهكذا أخرجه ابن أبي شيبة، وهناد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن مجاهد، وقيل: هم قوم كان فيهم عجب. وهكذا أخرجه ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن قتادة عن الحسن، وقيل: هم قوم كان عليهم دين. وهكذا أخرجه ابن المنذر، ومن بعده عن قتادة عن مسلم بن يسار، وقيل: هم مؤمنو الجن، وهكذا أخرجه البيهقي في البعث من حديث أنس أن مؤمني الجن لهم ثواب وعليهم عقاب، فسألناه عن ثوابهم، قال: على الأعراف، وليسوا في الجنة مع أمةمحمد صلى الله عليه وسلم، فقلنا: وما الأعراف ؟ قال: حائط في الجنة تجري فيه الأنهار، وتنبت فيه الأشجار والثمار.

وقيل: هم الملائكة. أخرج سعيد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في كتاب الأضداد، وأبو الشيخ، والبيهقي في البعث عن أبي مجلز قال: الأعراف مكان مرتفع عليه رجال من الملائكة يعرفون أهل الجنة بسيماهم، وأهل النار بسيماهم، فقيل: يا أبا مجلز الله يقول: رجال، وأنت تقول: الملائكة قال: إنهم ذكور، وليسوا بإناث، وأخرج أحمد في الزهد عن قتادة، قال: قال سالم مولى أبي حذيفة، وددت أني بمنزلة أصحاب الأعراف.




الخدمات العلمية