الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 358 ] أو أتى على النفس ، وضمن ما سرى :

التالي السابق


وسواء سلم المعزر ( أو أتى ) تعزيره ( على النفس ) بأن مات منه إن ظن الإمام سلامته ( و ) إلا ( ضمن ) الإمام ( ما سرى ) أي ترتب على تعزيره ، فإن مات ضمن ديته وإن تلفت له منفعة ضمن ديتها . ابن عرفة الشيخ في المجموعة الإمام مالك " رضي الله عنه " معلم الكتاب والصنعة إن ضرب صبيا ما يعلم الأمن منه لأدبه فمات فلا يضمن ، وإن جاوز به الأدب ضمن ما أصابه .

عج المسائل ثلاثة : الأولى أن يفعل مع ظن السلامة وينشأ عنه هلاك أو نقص ، وفي هذه الحالة يجوز الإقدام على الفعل . واختلف في ضمانه فقيل لا يضمن سواء قال أهل المعرفة ينشأ عن فعله هلاك أو عيب أو لا ، وهذا يفيده ما في النوادر والعتبية ، وعزاه الموضح للجمهور .

الثانية ، أن يفعل مع ظنه عدم سلامته وينشأ عنه هلاك أو عيب فلا يجوز له الإقدام على الفعل ، ويقتص منه سواء قال أهل المعرفة ينشأ هلاك أو عيب أو لا كما يفيده كلام ابن مرزوق .

الثالثة : أن يفعل مع شكه في سلامته وعدمها ، وينشأ عنه هلاك أو عيب فلا قصاص عليه والدية على عاقلته .

طفي قوله أو أتى على النفس . تت مع ظن السلامة ، ثم قال وإلا ضمن زاد في كبيره وعلى ما قررناه لا مناقضة بين قوله أو أتى على النفس ، وبه يندفع قول ابن عبد السلام في هذا صعوبة إذ الولاة مأمورون بالتأديب والتعزير فتضمينهم ما سرى إليه التعزير مع [ ص: 359 ] أمرهم به تكليف بما لا يطاق ، وأشد منه الإقادة منهم وعلى إشكاله أنشد بعضهم :

ألقاه في البحر مكتوفا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء

وتقريره الذي زعم دفع المناقضة به والإشكال أصله لشيخه داود ، وهو خلاف إطلاق كلام المصنف وخلاف كلامه في توضيحه ، قال في قول ابن الحاجب ولا ينتهي للقتل ، أي لا يؤدبه بقتله ويحتمل لا ينتهي في تأديبه بالضرب إلى ما يخشى منه قتله ، والأول أظهر فقد قال مطرف يضربه وإن أتى على النفس ، وروي من الإمام مالك " رضي الله عنه " في العتبية أنه أمر بضرب شخص وجد مع صبي في سطح المسجد قد جرده وضمه إلى صدره أربعمائة سوط فانتفخ ومات ولم يستعظم ذلك الإمام مالك " رضي الله عنه " . ا هـ . فقد استظهر جواز التأديب مع عدم ظن السلامة .

واستدل بقول مطرف وإن أتى على النفس وهو قوله في مختصره أو أتى على النفس وتت معترف بأنه قول مطرف ، فكيف يقيده بظن سلامته

وقال في توضيحه في قول ابن الحاجب والتعزير جائز بشرط السلامة ، فإن سرى فعلى العاقلة ما نصه بشرط السلامة غالبا في الذهن ، وفي هذا الشرط نظر لأنه مخالف لقول ابن الماجشون وغيره وإن أتى على النفس ولظاهر الحكاية المنقولة عن الإمام مالك " رضي الله عنه " ولأن الحاكم وغيره إذا جازت له العقوبة ينبغي أن لا يكون عليه ضمان وتضمينهم مع أمرهم به كتكليف بما لا يطاق ، وفي الإكمال أنهم اختلفوا فيمن مات من التعزير فقال الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه عقله على عاقلة الإمام وعليه الكفارة ، وقيل على بيت المال ، وقال جمهور العلماء لا شيء عليه ا هـ كلام التوضيح . فأنت تراه اعترض تقييد ابن الحاجب المذكور تبعا لابن شاس ، ولذا حاد عنه في مختصره ، وتقريره قوله وإلا ضمن ما سرى خلاف ظاهر كلام المصنف وابن الحاجب وابن شاس في ترتيبهم الضمان على فعله ما يجوز له ، وتقدم كلام ابن الحاجب وهو نفس كلام ابن شاس والمصنف ، وقد عرفت أن عنده الجواز مطلقا وإن أتى على النفس ورتب عليه [ ص: 360 ] الضمان ، ولكونه مرتبا على فعل الجائز أتى استشكال ابن عبد السلام وقد سلمه الشارح وابن غازي وغير واحد ولا سلف لتت فيما قاله من كلام المتقدمين سوى اختيارات لبعض الشارحين لا مساعد لها من النقل فالصواب إبقاء كلام المصنف على ظاهره من غير تقييد وترتيب الضمان على ذلك الظاهر وسلف المصنف في ذلك ابن شاس وابن الحاجب

وقد قال عياض في تنبيهاته اختلف متأخرو شيوخنا الأندلسيون فيما كان على وجه الأدب أو فعل ما يباح له ممن يجوز له ذلك على الوجه الذي أبيح كالحاكم وضارب الحد والمؤدب والزوج والخاتن والطبيب ، فقيل ذلك كالخطأ ويدخلها الاختلاف في شبه العمد المتقدم ، وإلى هذا ذهب الباجي . وقيل إذا كان إنما فعل من ذلك ما يجوز وحيث يجوز ولا يعد غلطا ولا قصدا فهي كمسألة اللعب ، ويدخلها الخلاف المتقدم من رواية ابن القاسم ورواية مطرف ، ومذهب ابن وهب وابن حبيب هل هو خطأ أو عمد أو شبه العمد ، وإليه ذهب شيخنا القاضي أبو الوليد ا هـ . والظاهر أنه مراد ابن الحاجب وابن شاس بقوله التعزير جائز بشرط السلامة وابن شاس بشرط سلامة العاقبة ، أي جائز ولا ضمان بشرط سلامة العاقبة بدليل قولهما بقاء التفريع ، فإن سرى فعلى العاقلة ا هـ . كلام طفي وسلمه البناني واختصره .

قلت هذه هفوة من طفي عظيمة وغلطة جسيمة صير فيها الحق باطلا والباطل حقا وذلك أنه ينظر بقطع السارق الذي صرح به القرآن العزيز اعتدال الهواء ولا يفعل في الوقت الذي يخاف من فعله فيه موته وأن المريض إذا وجب حده وخيف موته من إقامته عليه فإنه يؤخر إلى برئه وأن من خيف عليه الموت من موالاة الحد يفرق عليه بقدر طاقته ، وإن لم يطقه بالكلية يسقط عنه وإذا كان هذا حكم الحد فكيف في التعزير الذي هو دونه أيفعل مع خوف الموت منه .

وأيضا فقد قالوا ليس للإمام التعزير بالقتل فكيف يقال يجوز التعزير بما يؤدي إليه ، ومن المعلوم أن الوسيلة تعطى حكم ما يترتب عليها فيلزم من امتناع التعزير بالقتل امتناع [ ص: 361 ] التعزير بما يؤدي إليه على أن الضرب المنتهي للموت قتل ، وقد قالوا لا ينتهي الإمام في التأديب للقتل ، وأيضا فقد تقدم نقل ابن عرفة عن الشيخ عن المجموعة قول الإمام مالك رضي الله عنه معلم الكتاب والصنعة إن ضرب صبيا ما يعلم الأمن فيه لأدبه فمات فلا يضمن ، وإن جاوز به الأدب ضمن ما أصابه ، وهذا نص في اشتراط علم السلامة في جواز القدوم على التأديب ، وقد نقله ابن شاس وابن الحاجب وغيرهما ، وهذا سلف داود وتت ومن وافقهما ، وجوابهم عن استشكال ابن عبد السلام صحيح لا شك فيه متعين لا مندوحة عنه ، وما حكي عن الإمام محمول على ظنه السلامة بدليل قوله ما يعلم الأمن فيه ، وقول مطرف وإن أتى على النفس أي بعد الوقوع وتخلف الظن . وأما القدوم فشرطه ظن السلامة ضرورة أن القتل ليس من التعزير المأذون فيه وأن فاعل المعصية التي لا توجب الحد لا يستوجب الحد فضلا عن القتل على أن استيجاب الحد لا يستلزم استيجاب القتل ، بل منه ما يسقط بخوف القتل كحد السرقة والشرب والفرية وزنا البكر فاستشكال ابن عبد السلام وتنظير الموضح في شرط علم السلامة وتعقب طفي كل ذلك قصور وغفلة عظيمة عما تقدم وعما هنا ، والكمال لله سبحانه وتعالى .




الخدمات العلمية