الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              399 407 - حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة -أم المؤمنين- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى في جدار القبلة مخاطا أو بصاقا أو نخامة فحكه. [ مسلم: 549 - فتح: 1 \ 509] .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه ثلاثة أحاديث:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها: حديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى نخامة في القبلة، فشق ذلك عليه حتى رئي في وجهه، فقام فحكه بيده، فقال: "إن أحدكم إذا قام في صلاته، فإنه يناجي ربه -أو إن ربه بينه وبين القبلة- فلا يبزقن أحدكم قبل قبلته، ولكن عن يساره أو تحت قدميه". ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه، ثم رد بعضه على بعض، فقال: "أو يفعل هكذا".

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها: حديث ابن عمر أنه - صلى الله عليه وسلم - رأى بصاقا في جدار القبلة فحكه، ثم أقبل على الناس فقال: "إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه، فإن الله قبل وجهه إذا صلى".

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 417 ] ثالثها: حديث عائشة أنه - صلى الله عليه وسلم - رأى في جدار القبلة مخاطا أو بصاقا أو نخامة فحكه.

                                                                                                                                                                                                                              الكلام على هذه الأحاديث من أوجه:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها:

                                                                                                                                                                                                                              حديث أنس أخرجه في مواضع أخر قريبا في بابين: عقب باب بعد هذا، وفي باب: كفارة البزاق في المسجد بلفظ: "البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها" وفي باب: ما يجوز من البصاق والنفخ في الصلاة، وفي باب: المصلي يناجي ربه.

                                                                                                                                                                                                                              وأخرجه مسلم أيضا.

                                                                                                                                                                                                                              وحديث ابن عمر أخرجه البخاري أيضا قريبا، وفي الأدب وغيره.

                                                                                                                                                                                                                              وأخرجه مسلم أيضا.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 418 ] وحديث عائشة أخرجه أيضا في الصلاة وسيأتي.

                                                                                                                                                                                                                              وأخرجه مسلم والترمذي أيضا.

                                                                                                                                                                                                                              وسيأتي من حديث أبي هريرة وأبي سعيد وأخرجهما مسلم أيضا.

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها:

                                                                                                                                                                                                                              النخامة بالضم: النخاعة، وقد ذكره البخاري بهذا اللفظ، في باب: الالتفات، يقال: تنخم الرجل إذا تنخع، وفي "المطالع": النخامة من الصدر: وهو البلغم اللزج، وفي "النهاية": النخامة: البزقة التي تخرج من أصل الحلق من مخرج الخاء المعجمة، وقيل: النخاعة بالعين من الصدر، وبالميم من الرأس.

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها:

                                                                                                                                                                                                                              إنما شق ذلك عليه احتراما لجهة القبلة. وقوله: (فحكه) أي: أزاله وهو موضع الترجمة. ففيه إزالة البزاق وغيره من الأقذار ونحوها من المسجد. وقوله: "فإنه يناجي ربه"، إشارة إلى إخلاص القلب وحضوره وتفريغه لذكر الله وتمجيده وتلاوة كتابه وتدبره. ومن كان [ ص: 419 ] يناجي ربه وهو بينه وبين قبلته فلا يقابلها بذلك. والبزاق بالزاي والصاد والسين: ما يخرج من الفم. وقوله: ("ولكن عن يساره") هذا في غير المسجد، أما فيه فلا يبزقن إلا في ثوبه، كذا قاله النووي، وسياق الأحاديث دال على أنه فيه. وقوله: ("أو تحت قدمه اليسرى") كما بينه في الرواية الآتية من حديث أبي سعيد.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (ثم أخذ رداءه) إلى آخره. فيه: جواز هذا الفعل، وفيه: طهارة البزاق، وهو إجماع إلا من شذ كما حكاه الخطابي عن إبراهيم النخعي، وسليمان (كما حكاه عنه ابن حزم)، وقال القاضي عياض: البزاق ليس خطيئة إلا في حق من لم يدفنه، وأما من أراد دفنه فليس بخطيئة إذا دفنها في تراب المسجد أو رمله وحصاه إن كان فيه وإلا فليخرجها.

                                                                                                                                                                                                                              وقال القرطبي: الحديث دال على تحريم البصاق في القبلة، وأن الدفن لا يكفيه، وهو كما قال. وقال الروياني: المراد بذلك إخراجها مطلقا، فإن لم تكن المساجد تربة، وكانت ذات حصر فلا؛ احتراما للمالية.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: فضل الميامن على المياسر.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية