الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
دفع الشجر لشريكه مساقاة لم يجز فلا أجر له [ ص: 293 ] لأنه شريك فيقع العمل لنفسه . وفي الوهبانية : وما للمساقي أن يساقي غيره وإن أذن المولى له ليس ينكر وفي معاياتها :     وأي شياه دون ذبح يحلها
وأي المساقي والمزارع يكفر

التالي السابق


( قوله دفع الشجر لشريكه مساقاة لم يجز ) أي إذا شرط له أكثر من قدر نصيبه . قال في التتارخانية : وإذا فسدت فالخارج بينهما نصفان على قدر نصيبهما في النخيل ، ولو اشترطا أن يكون الخارج بينهما نصفين جاز ا هـ وفساد مساقاة الشريك مذكور في المنح وغيرها ، وبه أفتى في الخيرية والحامدية ، فما يفعل في زماننا فاسد فتنبه ، وقيد بالمساقاة لأن المزارعة بين الشريكين في أرض وبذر منهما تصح في أصح الروايتين . والفرق كما في الذخيرة أن معنى الإجارة في المعاملة راجح على معنى الشركة ، وفي المزارعة بالعكس .

[ فرع ]

لو ساق أحد الشريكين على نصيبه أجنبيا بلا إذن الآخر هل يصح ؟ فعند الشافعية نعم . قال الرملي : والظاهر أن مذهبنا كذلك لأن المساقاة إجارة وهي تجوز في المشاع عندهما ، والمعول عليه في المساقاة والمزارعة مذهبهما ، فتجوز المساقاة في المشاع ، ولم أر من صرح به ثم رأيت المؤلف أجاب بأنها تصح عندهما كما تفقهت ولله تعالى الحمد والمنة ا هـ .

أقول : فيه بحث ، لأن معنى الإجارة وإن كان راجحا في المساقاة كما قدمناه آنفا ، لكن الإجارة فيها من جانب العامل لا الشجر ، لأن استئجار الشجر لا يجوز كما مر ، فالعامل في الحقيقة أجير لرب الشجر بجزء من الخارج ، ولا شيوع في العامل بل الشيوع في الأجرة فلم يوجد هنا إجارة المشاع التي فيها الخلاف فتدبر .

على أنه ذكر في التتارخانية في الفصل الخامس ما نصه : إذا دفع النخيل معاملة إلى رجلين يجوز عند أبي يوسف ولا يجوز عند أبي حنيفة وزفر ، ولو دفع نصف النخيل معاملة لا يجوز ا هـ ، فإن كان المراد أن النخيل كله الدافع كما هو المتبادر فعدم الجواز فيه يدل على عدم الجواز في المشترك بالأولى ، بل يفيد عدم الجواز ولو بإذن الشريك كما لا يخفى على المتأمل ، وإن كان المراد أن النخيل مشترك ودفع أحدهما لأجنبي فالأمر أظهر ، فتعين ما قلناه وثبت أن مساقاة الشريك لأجنبي ولو بإذن الشريك الآخر لا تصح كمساقاة أحد الشريكين للآخر ، هذا ما ظهر [ ص: 293 ] لفهمي القاصر ; والله أعلم ( قوله لأنه شريك إلخ ) هذا يوضح لك ما أردناه على الحيلة التي نقلها عن صدر الشريعة ( قوله فيقع العمل لنفسه ) أي أصالة ولغيره تبعا ط ( قوله وما للمساقي إلخ ) فلو ساقى بلا إذن فالخارج للمالك كما أفتى به في الحامدية .

قال في الذخيرة : دفع إليه معاملة ولم يقل له اعمل برأيك فدفع إلى آخر فالخارج لمالك النخيل وللعامل أجر مثله على العامل الأول بالغا ما بلغ ، ولا أجر للأول لأنه لا يملك الدفع ، إذ هو إيجاب الشركة في مال الغير ، وعمل الثاني غير مضاف إليه لأن العقد الأول لم يتناوله ، ولو هلك الثمر في يد العامل الثاني بلا عمله وهو على رءوس النخيل لا يضمن ، وإن من عمل الأجير في أمر يخالف فيه أمر الأول يضمن لصاحب النخيل العامل الثاني لا الأول ، وإن هلك من عمله في أمر لم يخالف أمر الأول فلرب النخيل أن يضمن أيا شاء ، وللأخير إن ضمنه الرجوع على الأول ا هـ ومثله في التتارخانية والبزازية ، وبه أفتى العلامة قاسم ، ونقله عن عدة كتب ، فتنبه لذلك فإنه خفي على كثيرين .

بقي أنه لم يبين حكم المزارع ، وذكر في الذخيرة وغيرها أنه على وجهين : الأول أن يكون البذر من رب الأرض ، فليس للمزارع دفعها مزارعة إلا بإذن ولو دلالة لأن فيه اشتراك غيره في مال رب الأرض بلا رضاه . والثاني أن يكون من المزارع فله الدفع ولو بلا إذن لأنه يشرك غيره في ماله ، وتفاصيل المسألة طويلة فلتراجع ( قوله وأي شياه إلخ ) هي الشاة التي ندت خارج المصر ولا يقدر على أخذها يكفي فيها الجرح في أي مكان مع التسمية كالصيد ، والمراد بالكفر الستر ، سمي الزارع كافرا لأنه يستر الحب فكل مزارع ومساق إذا بذر يكفر أي يستر شرنبلالي ، وفي كون المساقي يستر نظر ، فتدبر والله تعالى أعلم .




الخدمات العلمية