الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6416 6417 6418 ص: وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا بأس بأكل لحوم الخيل واحتجوا في ذلك بما حدثنا يونس، قال: ثنا علي بن معبد ، عن عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الكريم الجزري ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن جابر بن عبد الله قال: " كنا نأكل لحوم الخيل على عهد رسول الله -عليه السلام-".

                                                حدثنا فهد ، قال: ثنا الأصبهاني: قال: أنا شريك ، عن عبد الكريم ، ووكيع ، عن سفيان ، عن عبد الكريم. . ... ، فذكر بإسناده مثله.

                                                حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن امرأته فاطمة بنت المنذر ، عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - قالت: " نحرنا فرسا على عهد رسول الله -عليه السلام- فأكلناه". .

                                                وفي هذا الباب آثار قد دخلت في باب النهي عن لحوم الحمر الأهلية ، فأغنانا ذلك إعادتها.

                                                فذهب قوم إلى هذه الآثار، فأجازوا أكل لحوم الخيل، وممن ذهب إلى ذلك: أبو يوسف ، ومحمد، ، واحتجوا في ذلك بتواتر الآثار في ذلك وتظاهرها، ولو كان ذلك مأخوذا من طريق النظر لما كان بين الخيل الأهلية والحمر الأهلية فرق، ولكن الآثار عن النبي -عليه السلام- إذا صحت وتواترت أولى أن يقال بها مما يوجبه النظر ولاسيما وقد أخبر جابر بن عبد الله في حديثه أن رسول الله . -عليه السلام- أباح لحم لحوم الخيل في وقت منعه إياهم من لحوم الحمر، فدل ذلك على اختلاف حكم لحمها.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح وإبراهيم النخعي والثوري والشافعي وطاوسا ومحمدا وأحمد [ ص: 164 ] وإسحاق، فإنهم قالوا: لا بأس بأكل لحوم الخيل، واحتجوا في ذلك بحديث جابر وأسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهم -.

                                                وأخرج حديث جابر من طريقين صحيحين:

                                                الأول: عن يونس بن عبد الأعلى عن علي بن معبد بن شداد الرقي نزيل مصر ، عن عبد الله بن عمرو الرقي ، عن عبد الكريم بن مالك الجزري الحراني عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله .

                                                وأخرجه البيهقي: نحوه من حديث الثوري عن عبد الكريم ، عن عطاء بن جابر .

                                                وأخرج البخاري: عن مسدد ، عن حماد ، عن عمرو بن دينار ، عن محمد بن علي ، عن جابر: "نهى النبي -عليه السلام- يوم خيبر عن لحوم الحمر، ورخص في لحوم الخيل".

                                                وأخرجه مسلم: عن يحيى بن يحيى ، عن حماد بن زيد ، عن عمرو بن دينار ... . إلى آخره نحوه.

                                                وأخرجه النسائي: عن حسين بن حريث ، عن الفضل بن موسى ، عن حسين بن واقد ، عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء ، عن جابر قال: "أطعمنا رسول الله -عليه السلام- يوم خيبر لحوم الخيل، ونهانا عن لحوم الحمر".

                                                الثاني: عن فهد بن سليمان ، عن محمد بن سعيد الأصبهاني شيخ البخاري ، عن شريك بن عبد الله ، عن عبد الكريم ، عن عطاء .

                                                وقال ابن الأصبهاني أيضا: عن وكيع ، عن سفيان الثوري ، عن عبد الكريم ، عن عطاء .

                                                [ ص: 165 ] وأخرجه النسائي: عن ابن مثنى ، عن عبد الرحمن ، عن سفيان ، عن عبد الكريم ، عن عطاء ، عن جابر قال: "كنا نأكل لحم الخيل، قلت البغال؟ قال: لا".

                                                وأما حديث أسماء: فأخرجه بإسناد صحيح، عن محمد بن عمرو ، عن أبي معاوية الضرير محمد بن خازم ، عن هشام بن عروة بن الزبير بن العوام ، عن امرأته فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنهم -.

                                                وأخرجه البخاري ومسلم: من حديث هشام بن عروة ، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر قالت: "أكلنا لحم فرس على عهد النبي -عليه السلام- بالمدينة".

                                                وروى الشافعي: عن سفيان ، عن هشام ، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء قالت: "نحرنا فرسا على عهد النبي -عليه السلام- فأكلناه".

                                                وقال الدارقطني: روي عن أيوب ، عن هشام ، عن أسماء مرسلا، لم يذكر فاطمة بنت المنذر.

                                                ورواه منجاب، عن شريك، عن هشام، عن أبيه، عن فاطمة بنت المنذر قالت: "أكلنا فرسا على عهد رسول الله -عليه السلام-".

                                                ووهم في موضعين: أسقط أسماء بنت أبي بكر، وقال: عن أبيه، عن أسماء، والصواب هشام ، عن فاطمة، عن أسماء.

                                                قوله: "وفي هذا الباب آثار" أشار بهذا إلى أحاديث أخرجها في جواز أكل لحوم الخيل عن جابر وغيره في باب "أكل لحوم الحمر الأهلية" فاستغنى بذكرها هناك عن إعادتها هاهنا خوفا من التكرار بلا فائدة.

                                                [ ص: 166 ] قوله: "بتواتر الآثار" أي تكاثرها وتظاهرها، ولم يرد به التواتر المصطلح عليه.

                                                قوله: "ولو كان ذلك مأخوذا من طريق النظر" أي ولو كان حكم أكل لحوم الخيل مأخوذا من طريق القياس، لكان الخيل كالحمير في حكم الأكل، وفيه مناقشة؛ لأنه قال في الباب السابق: ولو كان النظر لكان الحمر الأهلية حلالا كالحمر الوحشية، ولكن اتباع ما جاء عن الرسول -عليه السلام- أولى من ذلك، فوجه النظر هناك اقتضى إباحة أكل لحوم الحمر الأهلية، فقوله هاهنا: لما كان بين الخيل الأهلية والحمر الأهلية فرق يقتضي أن لا تؤكل الخيل كالحمر الأهلية، وهذا يناقض الكلام الأول. فافهم.




                                                الخدمات العلمية