الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( والأحق بالإمامة ) تقديما بل نصبا مجمع الأنهر ( الأعلم بأحكام الصلاة ) فقط صحة وفسادا بشرط اجتنابه للفواحش الظاهرة ، وحفظه قدر فرض ، وقيل واجب ، وقيل سنة ( ثم الأحسن تلاوة ) وتجويدا ( للقراءة ، ثم الأورع ) أي الأكثر اتقاء للشبهات . والتقوى : اتقاء المحرمات ( ثم الأسن ) أي الأقدم إسلاما ، فيقدم شاب على شيخ أسلم ، وقالوا : يقدم الأقدم ورعا . وفي النهر عن الزاد : وعليه يقاس سائر الخصال ، فيقال : يقدم أقدمهم علما ونحوه ، وحينئذ فقلما يحتاج للقرعة ( ثم الأحسن خلقا ) بالضم ألفة بالناس ( ثم الأحسن وجها ) أي أكثرهم تهجدا ; زاد في الزاد : [ ص: 558 ] ثم أصبحهم : أي أسمحهم وجها ، ثم أكثرهم حسبا ( ثم الأشرف نسبا ) زاد في البرهان : ثم الأحسن صوتا . وفي الأشباه قبيل ثمن المثل : ثم الأحسن زوجة . ثم الأكثر مالا ، ثم الأكثر جاها ( ثم الأنظف ثوبا ) ثم الأكبر رأسا والأصغر عضوا ، ثم المقيم على المسافر ، ثم الحر الأصلي على العتيق . ثم المتيمم عن حدث على المتيمم عن جنابة .

[ فائدة ] لا يقدم أحد في التزاحم إلا بمرجح ، ومنه السبق إلى الدرس والإفتاء والدعوى ، فإن استووا في المجيء أقرع بينهم ا هـ كلام الأشباه . وفي الفصل الثاني والثلاثين من حظر التتارخانية : وفي طلبة العلم يقدم السابق ; فإن اختلفوا وثمة بينة فيها ، وإلا أقرع كمجيئهم معا كما في الحرقى والغرقى إذا لم يعرف الأول ويجعل كأنهم ماتوا معا . ا هـ . وفي محاسن القراء لابن وهبان : و قيل إن لم يكن للشيخ معلوم جاز أن يقدم من شاء ، وأكثر مشايخنا على تقديم الأسبق ، وأول من سنه ابن كثير ( فإن استووا يقرع ) بين المستويين ( أو الخيار إلى القوم ) فإن اختلفوا [ ص: 559 ] اعتبر أكثرهم ; ولو قدموا غير الأولى أساءوا بلا إثم .

التالي السابق


( قوله تقديما ) أي على من حضر معه ( قوله بل نصبا ) أي للإمام الراتب ( قوله بأحكام الصلاة فقط ) أي وإن كان غير متبحر في بقية العلوم ، وهو أولى من المتبحر ، كذا في زاد الفقير عن شرح الإرشاد ( قوله بشرط اجتنابه إلخ ) كذا في الدراية عن المجتبى . وعبارة الكافي وغيره : الأعلم بالسنة أولى ، إلا أن يطعن عليه في دينه لأن الناس لا يرغبون في الاقتداء به ( قوله قدر فرض ) أخذه تبعا للبحر من قول الكافي قدر ما تجوز به الصلاة ، بناء على أن تجوز بمعنى تصح لا بمعنى تحل .

( قوله وقيل واجب ) ذكره في البحر بحثا لكن يمكن أخذه من كلام الكافي لأن الجواز يطلق بمعنى الحل ; بل قال الشيخ إسماعيل : ينبغي حمل الجواز المذكور على ما يشمل عدم الكراهة ، وحينئذ فيرجع إلى القول الثالث ( قوله وقيل سنة ) قائله الزيلعي ، وهو ظاهر المبسوط كما في النهر ; ومشى عليه في الفتح . قال : وهو الأظهر لأن هذا التقديم على سبيل الأولوية ; فالأنسب له مراعاة السنة ( قوله ثم الأحسن تلاوة وتجويدا ) أفاد بذلك أن معنى قولهم أقرأ : أي أجود ، لا أكثرهم حفظا وإن جعله في البحر متبادرا ، ومعنى الحسن في التلاوة أن يكون عالما بكيفية الحروف والوقف وما يتعلق بها قهستاني ( قوله أي الأكثر اتقاء للشبهات ) الشبهة : ما اشتبه حله وحرمته ، ويلزم من الورع التقوى بلا عكس . والزهد : ترك شيء من الحلال خوف الوقوع في الشبهة ، فهو أخص من الورع ، وليس في السنة ذكر الورع ، بل الهجرة عن الوطن . فلما نسخت أريد بها هجرة المعاصي بالورع ، فلا تجب هجرة إلا على من أسلم في دار الحرب ، كما في المعراج ط ( قوله أي الأقدم إسلاما ) استنبطه صاحب البحر وتبعه في النهر من تعليل البدائع ، بأن من امتد عمره في الإسلام كان أكثر طاعة . أقول : بل الظاهر أن المراد بالأسن الأكبر سنا كما هو في بعض روايات الحديث " { فأكبرهم سنا } " وهو المفهوم من أكثر الكتب فيكون الكلام في المسلم الأصلي ، نعم أخرج الجماعة إلا البخاري " { فأقدمهم إسلاما } " وعليه فيكون ذلك سببا آخر للترجيح فيمن عرض إسلامه فيقدم شاب نشأ في الإسلام على شيخ أسلم ، أما لو كانا مسلمين من الأصل أو أسلما معا يقدم الأكبر سنا ، لما في الزيلعي من أن الأكبر سنا يكون أخشع قلبا عادة وأعظم حرمة ورغبة الناس في الاقتداء به أكثر فيكون في تقديمه تكثير الجماعة . ا هـ .

هذا : وما مشى عليه المصنف من تقديم الأورع على الأسن هو المذكور في المتون وكثير من الكتب ، وعكس في المحيط ( قوله عن الزاد ) أي زاد الفقير لابن الهمام ( قوله بالضم ) أي ضم الخاء ، أما بفتحها فهو المراد بما بعده ( قوله أكثرهم تهجدا ) تفسير بالملزوم فإنه يلزم من كثرة التهجد حسن الوجه ، لحديث " { من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار } " وإن كان ضعيفا عند المحدثين قال في البدائع : لا حاجة إلى هذا التكلف ، بل يبقى على ظاهره لأن صباحة الوجه سبب لكثرة الجماعة كما في البحر ح ( قوله زاد في الزاد إلخ ) أقول : ليس فيه [ ص: 558 ] زيادة . ونص عبارة الزاد بعد الخلق هكذا : فإن تساووا فأصبحهم وجها . وقيده في الكافي بمن يصلي بالليل ، فإن تساووا فأشرفهم نسبا إلخ ( قوله أي أسمحهم وجها ) عبارة عن بشاشته في وجه من يلقاه وابتسامه له ، وهذا يغاير الحسن الذي هو تناسب الأعضاء أفاده ح ( قوله ثم أكثرهم حسبا ) الظاهر أن [ الحسب ] بالباء الموحدة لا بالنون ، وهو الذي كتب عليه ابن عبد الرزاق في شرحه . قال في البحر : وقدم في الفتح الحسب على صباحة الوجه . ا هـ . وفي القاموس : الحسب ما تعده من مفاخر آبائك ، أو المال ، أو الدين ، أو الكرم ، أو الشرف في الفعل إلخ .

( قوله ثم الأحسن زوجة ) لأنه غالبا يكون أحب لها وأعف لعدم تعلقه بغيرها . وهذا مما يعلم بين الأصحاب أو الأرحام أو الجيران ، إذ ليس المراد أن يذكر كل منهم أوصاف زوجته حتى يعلم من هو أحسن زوجة ( قوله ثم الأكثر مالا ) إذ بكثرته مع ما تقدم من الأوصاف يحصل له القناعة والعفة فيرغب الناس فيه أكثر ( قوله ثم الأكبر رأسا إلخ ) لأنه يدل على كبر العقل يعني مع مناسبة الأعضاء له ، وإلا فلو فحش الرأس كبرا والأعضاء صغرا كان دلالة على اختلال تركيب مزاجه المستلزم لعدم اعتدال عقله ا هـ ح . وفي حاشية أبي السعود ; وقد نقل عن بعضهم في هذا المقام ما لا يليق أن يذكر فضلا عن أن يكتب ا هـ وكأنه يشير إلى ما قيل أن المراد بالعضو الذكر ( قوله ثم المقيم على المسافر ) وقيل هما سواء بحر . وظاهره ولو كان الجماعة مسافرين فليتأمل ، وهذا ما دام الوقت باقيا وإلا فلا يصح اقتداء المسافر بالمقيم في الرباعية كما يأتي ( قوله ثم المتيمم عن حدث على المتيمم عن جنابة ) كذا أجاب به الحلواني كما في التتمة ، وجزم به في الفيض وجامع الفتاوى . كذا في الأحكام للشيخ إسماعيل ، ومثله في التتارخانية ، ولعل وجهه أن الحدث أخف من الجنابة ، لكن في منية المفتي : المتيمم عن الجنابة أولى بالإمامة من المتيمم عن حدث .

ونقله في النهر عنها مقتصرا عليه ، ولعل وجهه أن طهارته أقوى لأنها بمنزلة الغسل لا يبطلها الحدث ( قوله ومنه ) أي من المرجح ( قوله والإفتاء ) الأولى والاستفتاء ( قوله والدعوى ) أي بين يدي القاضي ( قوله أقرع بينهم ) أي إذا تنازعوا . والظاهر أن هذا على سبيل الأولوية ( قوله كما في الحرقى والغرقى ) التشبيه في أن الترتيب إذا لم يعلم كان كالمعية لا في القرعة أيضا ، فإنها لا تتأتى في الحرقى والغرقى ح ( قوله معلوم ) أي وظيفة من جهة الواقف أو من الطلبة أفاده ح ( قوله جاز أن يقدم من شاء ) لأنه له أن لا يقرئهم أصلاح ( قوله وأول من سنه ابن كثير ) قال السمهودي في جوهر العقدين . روي " { أن أنصاريا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله . وجاء رجل من ثقيف ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أخا ثقيف إن الأنصاري قد سبقك بالمسألة فاجلس كيما نبدأ بحاجة الأنصاري قبل حاجتك } " ا هـ فعلم منه أنه سنة النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 559 ] وابن كثير تابع في ذلك ، وأنه لا فرق بين من له معلوم وغيره ، نعم يمكن الفرق بين ذي المعلوم وغيره فيما إذا حضرا معا رحمتي : أي فيقرع لو له معلوم وإلا يقدم من شاء تأمل ( قوله اعتبر أكثرهم ) لا يظهر هذا إلا في المنصب ، و إلا فكل يصلي خلف من يختاره ط لكن فيه تكرار الجماعة وقد مر ما فيه .

( قوله أساءوا بلا إثم ) قال في التتارخانية : ولو أن رجلين في الفقه والصلاح سواء إلا أن أحدهما أقرأ فقدم القوم الآخر فقد أساءوا وتركوا السنة ولكن لا يأثمون ، لأنهم قدموا رجلا صالحا ، وكذا الحكم في الإمارة والحكومة ، أما الخلافة وهي الإمامة الكبرى فلا يجوز أن يتركوا الأفضل ، وعليه إجماع الأمة ا هـ فافهم




الخدمات العلمية