الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية

                                                                                                                                                                                                                                      الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد وقال قرينه هذا ما لدي عتيد ألقيا في جهنم كل كفار عنيد مناع للخير معتد مريب الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد قال لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد ( 35 )

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه [ ص: 1399 ] هذا كلام مبتدأ يتضمن ذكر بعض القدرة الربانية ، والمراد بالإنسان الجنس ، وقيل : آدم ، والوسوسة هي في الأصل الصوت الخفي ، والمراد بها هنا ما يختلج في سره ، وقلبه ، وضميره : أي نعلم ما يخفي ويكن في نفسه ، ومن استعمال الوسوسة في الصوت الخفي قول الأعشى :


                                                                                                                                                                                                                                      تسمع للحلي وسواسا إذا انصرفت

                                                                                                                                                                                                                                      فاستعمل لما خفي من حديث النفس ونحن أقرب إليه من حبل الوريد هو حبل العاتق ، وهو ممتد من ناحية حلقه إلى عاتقه ، وهما وريدان من عن يمين وشمال .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحسن : الوريد الوتين ، وهو عرق معلق بالقلب .

                                                                                                                                                                                                                                      وهو تمثيل للقرب بقرب ذلك العرق من الإنسان : أي نحن أقرب إليه من حبل وريده ، والإضافة بيانية : أي : حبل هو الوريد .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : الحبل هو نفس الوريد ، فهو من باب مسجد الجامع .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم ذكر سبحانه أنه مع علمه به وكل به ملكين يكتبان ويحفظان عليه عمله إلزاما للحجة ، فقال : إذ يتلقى المتلقيان الظرف منتصب بما في ( أقرب ) من معنى الفعل ، ويجوز أن يكون منصوبا بمقدر هو اذكر ، والمعنى : أنه أقرب إليه من حبل وريده حين يتلقى المتلقيان ، وهما الملكان الموكلان به ما يلفظ به ، وما يعمل به : أي يأخذان ذلك ويثبتانه .

                                                                                                                                                                                                                                      والتلقي الأخذ : أي نحن أعلم بأحواله غير محتاجين إلى الحفظة الموكلين به .

                                                                                                                                                                                                                                      وإنما جعلنا ذلك إلزاما للحجة وتوكيدا للأمر .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الحسن ، وقتادة ، ومجاهد : المتلقيان ملكان يتلقيان عملك أحدهما عن يمينك يكتب حسناتك ، والآخر عن شمالك يكتب سيئاتك .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال مجاهد أيضا : وكل الله بالإنسان ملكين بالليل وملكين بالنهار يحفظان عمله ويكتبان أثره عن اليمين وعن الشمال قعيد إنما قال قعيد ولم يقل قعيدان وهما اثنان ؛ لأن المراد عن اليمين قعيد ، وعن الشمال قعيد ، فحذف الأول لدلالة الثاني عليه ، كذا قال سيبويه كقول الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                      نحن بما عندنا وأنت بما     عندك راض والرأي مختلف

                                                                                                                                                                                                                                      وقول الفرزدق :


                                                                                                                                                                                                                                      وأتى وكان وكنت غير عذور

                                                                                                                                                                                                                                      أي وكان غير عذور وكنت غير عذور . وقال الأخفش ، والفراء : إن لفظ ( قعيد ) يصلح للواحد ، والاثنين ، والجمع ، ولا يحتاج إلى تقدير في الأول .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الجوهري وغيره من أئمة اللغة والنحو : فعيل وفعول مما يستوي فيه الواحد ، والاثنان ، والجمع ، والقعيد المقاعد ، كالجليس بمعنى المجالس .

                                                                                                                                                                                                                                      ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد أي : ما يتكلم من كلام ، فيلفظه ، ويرميه من فيه إلا لديه : أي : لدى ذلك اللافظ رقيب : أي : ملك يرقب قوله ويكتبه ، والرقيب : الحافظ المتتبع لأمور الإنسان الذي يكتب ما يقوله من خير وشر .

                                                                                                                                                                                                                                      فكاتب الخير هو ملك اليمين ، وكاتب الشر ملك الشمال .

                                                                                                                                                                                                                                      والعتيد : الحاضر المهيأ .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الجوهري : العتيد الحاضر المهيأ ، يقال : عتده تعتيدا وأعتده اعتدادا : أي أعده ، ومنه وأعتدت لهن متكأ [ يوسف : 31 ] والمراد هنا أنه معد للكتابة مهيأ لها .

                                                                                                                                                                                                                                      وجاءت سكرة الموت بالحق لما بين سبحانه أن جميع أعماله محفوظة مكتوبة ذكر بعده ما ينزل بهم من الموت ، والمراد بسكرة الموت شدته وغمرته التي تغشى الإنسان وتغلب على عقله ، ومعنى ( بالحق ) : أنه عند الموت يتضح له الحق ويظهر له صدق ما جاءت به الرسل من الإخبار بالبعث ، والوعد ، والوعيد ، وقيل : الحق هو الموت ، وقيل في الكلام تقديم وتأخير : أي وجاءت سكرة الحق بالموت ، وكذا قرأ أبو بكر الصديق ، وابن مسعود .

                                                                                                                                                                                                                                      والسكرة هي الحق ، فأضيفت إلى نفسها لاختلاف اللفظين ، وقيل : الباء للملابسة كالتي في قوله : تنبت بالدهن [ المؤمنون : 20 ] أي : ملتبسة بالحق : أي بحقيقة الحال ، والإشارة بقوله : ذلك إلى الموت ، والحيد الميل : أي : ذلك الموت الذي كنت تميل عنه وتفر منه ، يقال : حاد عن الشيء يحيد حيودا وحيدة وحيدودة : مال عنه وعدل ، ومنه قول طرفة :


                                                                                                                                                                                                                                      أبا منذر رمت الوفاء فهبته     وحدت كما حاد البعير عن الدحض

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحسن : تحيد تهرب .

                                                                                                                                                                                                                                      ونفخ في الصور عبر عنه بالماضي لتحقق وقوعه ، وهذه هي النفخة الآخرة للبعث ذلك يوم الوعيد أي : ذلك الوقت الذي يكون فيه النفخ في الصور يوم الوعيد الذي أوعد الله به الكفار .

                                                                                                                                                                                                                                      قال مقاتل : يعني بالوعيد العذاب في الآخرة ، وخصص الوعيد مع كون اليوم هو يوم الوعد والوعيد جميعا لتهويله .

                                                                                                                                                                                                                                      وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد أي جاءت كل نفس من النفوس معها من يسوقها ومن يشهد لها أو عليها .

                                                                                                                                                                                                                                      واختلف في السائق والشهيد ، فقال الضحاك : السائق من الملائكة ، والشهيد من أنفسهم : يعني الأيدي والأرجل .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحسن ، وقتادة : سائق يسوقها وشاهد يشهد عليها بعملها .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن مسلم : السائق قرينها من الشياطين ، سمي سائقا لأنه يتبعها وإن لم يحثها .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال مجاهد : السائق والشهيد ملكان .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : السائق الملك ، والشهيد العمل ، وقيل : السائق كاتب السيئات ، والشهيد كاتب الحسنات ، ومحل الجملة النصب على الحال .

                                                                                                                                                                                                                                      لقد كنت في غفلة من هذا أي يقال له : لقد كنت في غفلة من هذا ، والجملة في محل نصب على الحال من ( نفس ) ، أو مستأنفة كأنه قيل : ما يقال له .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الضحاك : المراد بهذا المشركون لأنهم كانوا في غفلة من عواقب أمورهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن زيد : الخطاب للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : أي : لقد كنت يا محمد في غفلة من الرسالة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أكثر المفسرين : المراد به جميع الخلق برهم وفاجرهم ، واختار هذا ابن جرير .

                                                                                                                                                                                                                                      قرأ الجمهور بفتح التاء من ( كنت ) وفتح الكاف في ( غطاءك ) ، و ( بصرك ) حملا على ما في لفظ كل من التذكير .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الجحدري ، وطلحة بن مصرف بالكسر في الجميع على أن المراد النفس فكشفنا عنك غطاءك الذي كان في الدنيا : يعني رفعنا الحجاب الذي كان بينك وبين أمور الآخرة ، ورفعنا ما كنت فيه من الغفلة عن ذلك فبصرك اليوم حديد أي : نافذ تبصر به ما كان يخفى عليك من الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                      قال السدي : المراد بالغطاء أنه كان في بطن أمه فولد ، وقيل إنه كان في القبر فنشر ، والأول أولى .

                                                                                                                                                                                                                                      والبصر قيل : هو بصر [ ص: 1400 ] القلب ، وقيل : بصر العين .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال مجاهد : بصرك إلى لسان ميزانك حين توزن حسناتك وسيئاتك ، وبه قال الضحاك .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال قرينه هذا ما لدي عتيد أي قال الملك الموكل به هذا ما عندي من كتاب عملك عتيد حاضر قد هيأته ، كذا قال الحسن ، وقتادة ، والضحاك .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال مجاهد : إن الملك يقول للرب سبحانه : هذا الذي وكلتني به من بني آدم قد أحضرته وأحضرت ديوان عمله .

                                                                                                                                                                                                                                      وروي عنه أنه قال : إن قرينه من الشياطين ، يقول ذلك : أي : هذا ما قد هيأته لك بإغوائي وإضلالي .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن زيد : إن المراد هنا قرينه من الإنس ، وعتيد مرفوع على أنه صفة ل ( ما ) إن كانت موصوفة ، وإن كانت موصولة فهو خبر بعد خبر ، أو خبر مبتدأ محذوف .

                                                                                                                                                                                                                                      ألقيا في جهنم كل كفار عنيد هذا خطاب من الله عز وجل للسائق والشهيد .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزجاج : هذا أمر للملكين الموكلين به ، وهما السائق والشاهد : كل كفار للنعم عنيد مجانب للإيمان .

                                                                                                                                                                                                                                      مناع للخير لا يبذل خيرا معتد ظالم لا يقر بتوحيد الله مريب شاك في الحق ، من قولهم أراب الرجل : إذا صار ذا ريب .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : هو خطاب للملكين من خزنة النار .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : هو خطاب لواحد على تنزيل تثنية الفاعل منزلة تثنية الفعل ، وتكريره .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الخليل ، والأخفش : هذا كلام العرب الصحيح أن يخاطب الواحد بلفظ الاثنين يقولون : ارحلاها ، وازجراها ، وخذاه ، وأطلقاه ، للواحد .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الفراء : العرب تقول للواحد قوما عنا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأصل ذلك أن أدنى أعوان الرجل في إبله وغنمه ورفقته في سفره اثنان : فجرى كلام الرجل للواحد على ذلك ، ومنه قولهم للواحد في الشعر كما قال امرؤ القيس :


                                                                                                                                                                                                                                      خليلي مرا بي على أم جندب     نقض لبانات الفؤاد المعذب

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله :


                                                                                                                                                                                                                                      قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل     بسقط اللوى بين الدخول فحومل

                                                                                                                                                                                                                                      وقول الآخر :


                                                                                                                                                                                                                                      فإن تزجراني يا ابن عفان أنزجر     وإن تدعواني أحم عرضا ممنعا

                                                                                                                                                                                                                                      قال المازني : قوله : ( ألقيا ) يدل على ألق ألق .

                                                                                                                                                                                                                                      قال المبرد : هي تثنية على التوكيد ، فناب ( ألقيا ) مناب ألق ألق .

                                                                                                                                                                                                                                      قال مجاهد ، وعكرمة : العنيد : المعاند للحق ، وقيل : المعرض عن الحق ، يقال : عند يعند بالكسر عنودا : إذا خالف الحق .

                                                                                                                                                                                                                                      الذي جعل مع الله إلها آخر يجوز أن يكون بدلا من ( كل ) ، أو منصوبا على الذم ، أو بدلا من ( كفار ) ، أو مرفوعا بالابتداء ، أو الخبر فألقياه في العذاب الشديد تأكيد للأمر الأول أو بدل منه .

                                                                                                                                                                                                                                      قال قرينه ربنا ما أطغيته هذه الجملة مستأنفة لبيان ما يقوله القرين ، والمراد بالقرين هنا الشيطان الذي قيض لهذا الكافر ، أنكر أن يكون أطغاه ، ثم قال : ولكن كان في ضلال بعيد أي : عن الحق فدعوته فاستجاب لي ، ولو كان من عبادك المخلصين لم أقدر عليه ، وقيل : إن قرينه الملك الذي كان يكتب سيئاته وإن الكافر يقول : رب ، إنه أعجلني فيجيبه بهذا ، كذا قال مقاتل ، وسعيد بن جبير .

                                                                                                                                                                                                                                      والأول أولى وبه قال الجمهور .

                                                                                                                                                                                                                                      قال لا تختصموا لدي هذه الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل : فماذا قال الله ؟ فقيل : قال لا تختصموا لدي يعني الكافرين وقرناءهم ، نهاهم سبحانه عن الاختصام في موقف الحساب ، وجملة وقد قدمت إليكم بالوعيد في محل نصب على الحال : أي والحال أن قدمت إليكم بالوعيد بإرسال الرسل وإنزال الكتب ، والباء في ( بالوعيد ) مزيدة للتأكيد أو على تضمين " قدم " معنى " تقدم " .

                                                                                                                                                                                                                                      ما يبدل القول لدي أي لا خلف لوعدي ، بل هو كائن لا محالة ، وقد قضيت عليكم بالعذاب فلا تبديل له ، وقيل : هذا القول هو قوله : من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها [ الأنعام : 160 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : هو قوله : لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين [ هود : 119 ] وقال الفراء ، وابن قتيبة : معنى الآية أنه ما يكذب عندي بزيادة في القول ولا ينقص منه لعلمي بالغيب وهو قول الكلبي ، واختاره الواحدي لأنه قال ( لدي ) ولم يقل : وما يبدل قولي ، والأول أولى وقيل : إن مفعول قدمت إليكم هو ما يبدل أي : وقد قدمت إليكم هذا القول ملتبسا بالوعيد . وهذا بعيد جدا وما أنا بظلام للعبيد أي : لا أعذبهم ظلما بغير جرم اجترموه ، ولا ذنب أذنبوه . ولما كان نفي الظلام لا يستلزم نفي مجرد الظلم قيل إنه هنا بمعنى الظالم كالتمار بمعنى التامر . وقيل : إن صيغة المبالغة لتأكيد هذا المعنى بإبراز ما ذكر من التعذيب بغير ذنب في معرض المبالغة في الظلم . وقيل : صيغة المبالغة لرعاية جمعية العبيد من قولهم : فلان ظالم لعبده وظلام لعبيده ، وقيل : غير ذلك . وقد تقدم الكلام على هذا في سورة آل عمران وفي سورة الحج .

                                                                                                                                                                                                                                      يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد قرأ الجمهور ( نقول ) بالنون .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ نافع ، وأبو بكر بالياء .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الحسن ( أقول ) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الأعمش ( يقال ) ، والعامل في الظرف ( ما يبدل القول لدي ) أو محذوف ، أي اذكر أو أنذرهم ، وهذا الكلام على طريقة التمثيل والتخييل ، ولا سؤال ولا جواب ، كذا قيل ، والأولى أنه على طريقة التحقيق ولا يمنع من ذلك عقل ولا شرع .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الواحدي .

                                                                                                                                                                                                                                      قال المفسرون : أراها الله تصديق قوله : لأملأن جهنم [ هود : 119 ] فلما امتلأت قال لها : هل امتلأت وتقول هل من مزيد أي : قد امتلأت ولم يبق في موضع لم يمتلئ .

                                                                                                                                                                                                                                      وبهذا قال عطاء ، ومجاهد ، ومقاتل بن سليمان .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : إن هذا الاستفهام بمعنى الاستزادة : أي : إنها تطلب الزيادة على من قد صار فيها .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : إن المعنى أنها طلبت أن يزاد في سعتها لتضايقها بأهلها ، والمزيد إما مصدر كالمحيد ، أو اسم مفعول كالمنيع ، فالأول بمعنى : هل من زيادة ؟ والثاني بمعنى : هل من شيء تزيدونيه .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم لما فرغ من بيان حال الكافرين شرع في بيان حال المؤمنين ، فقال : وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد أي قربت الجنة للمتقين تقريبا غير بعيد ، أو مكان غير بعيد منهم بحيث يشاهدونها في الموقف ، وينظرون ما فيها مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، ويجوز أن يكون انتصاب [ ص: 1401 ] غير بعيد على الحال .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل المعنى : أنها زينت قلوبهم في الدنيا بالترغيب والترهيب ، فصارت قريبة من قلوبهم ، والأول أولى .

                                                                                                                                                                                                                                      والإشارة بقوله : هذا ما توعدون إلى الجنة بتقدير القول : أي ويقال لهم هذا ما توعدون .

                                                                                                                                                                                                                                      قرأ الجمهور ( توعدون ) بالفوقية .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن كثير بالتحتية لكل أواب حفيظ هو بدل من ( للمتقين ) بإعادة الخافض ، أو متعلق بقول محذوف هو حال : أي : مقولا لهم لكل أواب ، والأواب الرجاع إلى الله تعالى بالتوبة عن المعصية ، وقيل : هو المسبح ، وقيل : هو الذاكر لله في الخلوة .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الشعبي ، ومجاهد : هو الذي يذكر ذنوبه في الخلوة فيستغفر الله منها .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال عبيد بن عمير هو الذي لا يجلس مجلسا حتى يستغفر الله فيه ، والحفيظ : هو الحافظ لذنوبه حتى يتوب منها .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال قتادة : هو الحافظ لما استودعه الله من حقه ونعمته ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : هو الحافظ لأمر الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الضحاك : هو الحافظ لوصية الله له بالقبول .

                                                                                                                                                                                                                                      من خشي الرحمن بالغيب الموصول في محل جر بدلا أو بيانا لكل أواب ، وقيل : يجوز أن يكون بدلا بعد بدل من المتقين ، وفيه نظر ؛ لأنه لا يتكرر البدل والمبدل منه واحد ، ويجوز أن يكون في محل رفع على الاستئناف ، والخبر ( ادخلوها ) بتقدير : يقال لهم ادخلوها ، والخشية بالغيب أن يخاف الله ولم يكن رآه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الضحاك ، والسدي : يعني الخلوة حيث لا يراه أحد .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الحسن : إذا أرخى الستر وأغلق الباب ، ( وبالغيب ) متعلق بمحذوف هو حال أو صفة لمصدر خشي وجاء بقلب منيب أي : راجع إلى الله مخلص لطاعته ، وقيل : المنيب المقبل على الطاعة ، وقيل : السليم .

                                                                                                                                                                                                                                      ( ادخلوها ) هو بتقدير القول : أي : يقال لهم ادخلوها ، والجمع باعتبار معنى " من " : أي : ادخلوا الجنة بسلام أي بسلامة من العذاب ، وقيل : بسلام من الله وملائكته ، وقيل : بسلامة من زوال النعم ، وهو متعلق بمحذوف هو حال : أي : ملتبسين بسلام ، والإشارة بقوله : ( ذلك ) إلى زمن ذلك اليوم كما قال أبو البقاء ، وخبره يوم الخلود وسماه يوم الخلود لأنه لا انتهاء له ، بل هو دائم أبدا .

                                                                                                                                                                                                                                      لهم ما يشاءون فيها أي : في الجنة ما تشتهي أنفسهم وتلذ أعينهم من فنون النعم وأنواع الخير ولدينا مزيد من النعم التي لم تخطر لهم على بال ولا مرت لهم في خيال .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد أخرج ابن مردويه ، عن أبي سعيد ، عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : نزل الله من ابن آدم أربع منازل : هو أقرب إليه من حبل الوريد ، وهو يحول بين المرء وقلبه ، وهو آخذ بناصية كل دابة ، وهو معهم أينما كانوا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : من حبل الوريد قال : عروق العنق .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر عنه قال : هو نياط القلب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عنه أيضا ، في قوله : ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد قال : يكتب كل ما تكلم به من خير أو شر حتى إنه ليكتب قوله : أكلت ، وشربت ، ذهبت ، جئت ، رأيت ، حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله ، وعمله ، فأقر منه ما كان من خير أو شر ، وألقى سائره ، فذلك قوله : يمحوا الله ما يشاء ويثبت [ الرعد : 39 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم ، وصححه ، وابن مردويه ، من طريق عكرمة ، عن ابن عباس في الآية قال : إنما يكتب الخير والشر ، لا يكتب يا غلام اسرج الفرس ، يا غلام : اسقني الماء .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما ، عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال : إن الله غفر لهذه الأمة ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد في الزهد ، والحكيم الترمذي ، وأبو نعيم ، والبيهقي في الشعب ، عن عمرو بن ذر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : إن الله عند لسان كل قائل ، فليتق الله عبد ولينظر ما يقول .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحكيم الترمذي ، عن ابن عباس مرفوعا مثله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، والفريابي ، وسعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم في الكنى ، وابن مردويه ، والبيهقي في البعث ، وابن عساكر ، عن عثمان بن عفان أنه قرأ وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد قال : سائق يسوقها إلى أمر الله وشهيد يشهد عليها بما عملت .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم في الكنى ، وابن مردويه ، والبيهقي في البعث ، عن أبي هريرة في الآية قال : السائق الملك ، والشهيد العمل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس في الآية قال : السائق من الملائكة ، والشهيد شاهد عليه من نفسه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عنه لقد كنت في غفلة من هذا قال : هو الكافر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه أيضا فكشفنا عنك غطاءك قال : الحياة بعد الموت .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عنه أيضا ، و قال قرينه قال شيطانه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم في قوله : لا تختصموا لدي قال : إنهم اعتذروا بغير عذر ، فأبطل الله حجتهم ورد عليهم قولهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عنه أيضا في قوله : وما أنا بظلام للعبيد قال : ما أنا بمعذب من لم يجترم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عنه أيضا ، في قوله : يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد قال : وهل في من مكان يزاد في .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما ، عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه ، فينزوي بعضها إلى بعض وتقول : قط قط ، وعزتك وكرمك ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا آخر فيسكنهم في فضول الجنة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرجا أيضا من حديث أبي هريرة نحوه ، وفي الباب أحاديث .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، والبيهقي في الشعب ، عن ابن عباس ، في قوله : لكل أواب حفيظ قال : حفظ ذنوبه حتى رجع عنها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البزار ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي في البعث والنشور عن أنس ، في قوله : ولدينا مزيد قال : [ ص: 1402 ] يتجلى لهم الرب تبارك وتعالى في كل جمعة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي في الرؤية ، والديلمي ، عن علي في الآية قال : يتجلى لهم الرب عز وجل ، وفي الباب أحاديث .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية