الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة السابعة : اعلم أن الله تعالى اعتبر في تحقق ماهية البر أمورا :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : الإيمان بأمور خمسة :

                                                                                                                                                                                                                                            أولها : الإيمان بالله ، ولن يحصل العلم بالله إلا عند العلم بذاته المخصوصة ، والعلم بما يجب ويجوز ويستحيل عليه ، ولن يحصل العلم بهذه الأمور إلا عند العلم بالدلالة الدالة عليها ، فيدخل فيه العلم بحدوث العالم ، والعلم بالأصول التي عليها يتفرع حدوث العالم ، ويدخل في العلم بما يجب له من الصفات العلم بوجوده وقدمه وبقائه ، وكونه عالما بكل المعلومات ، قادرا على كل الممكنات حيا مريدا سميعا بصيرا متكلما ، ويدخل في العلم بما يستحيل عليه العلم بكونه منزها عن الحالية والمحلية والتحيز والعرضية ، ويدخل في العلم بما يجوز عليه اقتداره على الخلق والإيجاد وبعثة الرسل .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : الإيمان باليوم الآخر ، وهذا الإيمان مفرع على الأول ؛ لأنا ما لم نعلم كونه تعالى عالما بجميع المعلومات ولم نعلم قدرته على جميع الممكنات لا يمكننا أن نعلم صحة الحشر والنشر .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : الإيمان بالملائكة .

                                                                                                                                                                                                                                            ورابعها : الإيمان بالكتب .

                                                                                                                                                                                                                                            وخامسها : الإيمان بالرسل . وههنا سؤالات :

                                                                                                                                                                                                                                            السؤال الأول : إنه لا طريق لنا إلى العلم بوجود الملائكة ولا إلى العلم بصدق الكتب إلا بواسطة صدق الرسل ، فإذا كان قول الرسل كالأصل في معرفة الملائكة والكتب فلم قدم الملائكة والكتب في الذكر على الرسل ؟ .

                                                                                                                                                                                                                                            الجواب : أن الأمر وإن كان كما ذكرتموه في عقولنا وأفكارنا ، إلا أن ترتيب الوجود على العكس من ذلك ؛ لأن الملك يوجد أولا ، ثم يحصل بواسطة تبليغه نزول الكتب ، ثم يصل ذلك الكتاب إلى الرسول ، فالمراعى في هذه الآية ترتيب الوجود الخارجي ، لا ترتيب الاعتبار الذهني .

                                                                                                                                                                                                                                            السؤال الثاني : لم خص الإيمان بهذه الأمور الخمسة ؟

                                                                                                                                                                                                                                            الجواب : لأنه دخل تحتها كل ما يلزم أن نصدق به ، فقد دخل تحت الإيمان بالله : معرفته بتوحيده وعدله وحكمته ، ودخل تحت اليوم الآخر : المعرفة بما يلزم من أحكام الثواب والعقاب والمعاد ، إلى سائر ما يتصل بذلك ، ودخل تحت الملائكة ما يتصل بأدائهم الرسالة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليؤديها إلينا إلى غير ذلك مما يجب أن يعلم من أحوال الملائكة ، ودخل تحت الكتاب القرآن ، وجميع ما أنزل الله على أنبيائه ، ودخل تحت النبيين الإيمان بنبوتهم ، وصحة شرائعهم ، فثبت أنه لم يبق شيء مما يجب الإيمان به إلا دخل تحت هذه الآية .

                                                                                                                                                                                                                                            وتقرير آخر : وهو أن للمكلف مبدأ ووسطا ونهاية ، ومعرفة المبدأ والمنتهى هو المقصود بالذات ، [ ص: 35 ] وهو المراد بالإيمان بالله واليوم الآخر ، وأما معرفة مصالح الوسط فلا تتم إلا بالرسالة وهي لا تتم إلا بأمور ثلاثة : الملائكة الآتين بالوحي ، ونفس ذلك الوحي وهو الكتاب ، والموحى إليه وهو الرسول .

                                                                                                                                                                                                                                            السؤال الثالث : لم قدم هذا الإيمان على أفعال الجوارح ، وهو إيتاء المال ، والصلاة ، والزكاة .

                                                                                                                                                                                                                                            الجواب : للتنبيه على أن أعمال القلوب أشرف عند الله من أعمال الجوارح .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية