الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولو ) ( أوضح موضحتين ورفع الحاجز ) بينهما ( وزعمه ) أي الرفع ( قبل اندماله ) أي الإيضاح ليقتصر على أرش واحد وقال المجني عليه بل بعده فعليك ثلاثة أروش ( صدق ) الجاني بيمينه أنه قبل الاندمال ، ولزمه أرش واحد ( إن أمكن ) عدم الاندمال بأن بعد الاندمال عادة لقصر الزمن بين الإيضاح والرفع ; لأن الظاهر معه ( وإلا ) بأن أمكن الاندمال : أي قرب احتماله لطول الزمن ( حلف الجريح ) أنه بعد الاندمال ولا يخالف هذا ما مر في قطع [ ص: 297 ] اليدين والرجلين من تصديق الولي ; لأنهما اتفقا هنا على وقوع رفع الحاجز الصالح لرفع الأرشين ، وإنما اختلفا في وقته فنظروا للظاهر فيه وصدقوا الجاني عند قصر زمنه لقوة جانبه بالاتفاق والظاهر المذكورين ، وأما ثم فلم يتفقا على وقوع شيء بل تنازعا في وقوع السراية وفي وقوع الاندمال فنظروا لقوة جانب الولي باتفاقهما على وقوع موجب الديتين وعدم اتفاقهما على وقوع صلاحية الموت لرفعه ، لا يقال : قد اتفقا ثم على وقوع الموت وهو صالح للرفع ; لأنا نقول : زعم صلاحية الموت لرفعه ممنوع ، وإنما الصالح للسراية من الجرح المتولد عنها الموت وهنا لم يتفقا على وقوعه فاتضح الفرق بين المسألتين .

                                                                                                                            والحاصل أن الجاني هنا هو الذي قوي جانبه ، والولي ثم هو الذي قوي جانبه فأعطوا كلا حكمه ، واستشكال لزوم اليمين هنا بأنه لا معنى له فالمناسب تصديقه بلا يمين ، ووجوب أرش ثالث قطعا يرد بأن المراد بالإمكان وعدمه كما أشرنا إليه الإمكان القريب عادة بدليل قوله : المار لقصر الزمن وطوله ، ومعلوم أن الموضحة قد يتفق ختمها ظاهرا وتبقى نكايتها باطنا لكنه قريب مع قصر الزمن وبعيد مع طوله فوجبت اليمين لذلك ، وحينئذ فلا ينافي ما مر من أنه عند عدم إمكان الاندمال يصدق بلا يمين لما قررناه من أن ذلك مفروض في اندمال أحالته العادة بدليل تمثيلهم بادعاء وقوعه في قطع يدين أو رجلين بعد يوم أو يومين وهذا محال عادة فلم يجب يمين .

                                                                                                                            وأما فرض ما نحن فيه فهو في موضحتين صدرتا منه ثم بعد نحو عشر سنين مثلا وقع منه رفع الحاجز فبقاؤهما بلا اندمال ذلك الزمن بعيد عادة وليس بمستحيل فاحتيج ليمين الجريح حينئذ لإمكان عدم الاندمال ، وإن بعد ( وثبت ) له ( أرشان ) لا ثلاثة ، باعتبار الموضحتين ورفع الحاجز بعد الاندمال الثابت بحلفه ، لأن حلفه دافع للنقص عن أرشين فلا يوجب زيادة كما لو تنازعا في قدم عيب وحلف البائع على حدوثه ثم وقع الفسخ فأراد أرش ما ثبت بيمينه حدوثه لا يجاب ; لأن حلفه صالح للدفع عنه فلا يصلح لشغل ذمة المشتري ( قيل : وثالث ) عملا بقضية يمينه ، وما اقتضاه كلامه من عدم احتياج الجاني في هذه الحالة إلى يمين غير مراد فلا بد من يمينه أنه قبل الاندمال ، وحينئذ فحلفه أفاد سقوط الثالث وحلف [ ص: 298 ] الجريح أفاد رفع النقص عن أرشين كما تقرر ، ولو رفعه خطأ ، وكان الإيضاح عمدا أو بالعكس فثلاثة أروش كما اقتضى كلام الرافعي ترجيحه وإن وقع في الروضة خلافه ، وقول الشارح بعد قول المصنف قيل : وثالث لرفع الحاجز بعد الاندمال قبل الرفع بيمينه منحل إلى قوله لرفعه الحاجز بعد الاندمال الكائن قبل الرفع أو الحاصل قبله بيمينه فقيل : صفة لقوله بعد الاندمال .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : أي قرب احتماله لطول الزمن ) أي فحاصل المراد بعدم إمكان الاندمال بعده انتهى سم على حج : أي فلا تناقض بين تصديق الجاني عند الإمكان وتصديق المجني عليه عند عدم الإمكان

                                                                                                                            ( قوله : ولا يخالف هذا ) ما ذكره من قوله ولا يخالف إلخ [ ص: 297 ] نقله سم على منهج عن الشيخ عميرة ، ثم قال : وأقول لا تشكل مسألة الكتاب بما ذكره لأنها مصورة بقصر الزمن ونظيرها في مسألة قطع اليدين والرجلين بأن قصر الزمن تصديق الجاني أيضا كما تقدم ا هـ .

                                                                                                                            أقول : ووجه الإشكال أنهم فرقوا هنا في الإمكان بين القريب فصدقوا معه الجاني وبين البعيد فصدقوا معه المجني عليه وهو نظير الولي ثم ولم يفرقوا هناك في الإمكان بين القريب والبعيد بل قالوا حيث أمكن يصدق الولي .

                                                                                                                            وحاصل الجواب ما ذكره الشارح بقوله ; لأنهما اتفقا هنا على وقوع رفع إلخ ( قوله : على وقوع موجب ) وهو قطع اليدين والرجلين

                                                                                                                            ( قوله : باعتبار ) توجيه لقوله ثلاثة المنفي

                                                                                                                            ( قوله : وما اقتضاه كلامه ) حيث قال في جانب الجاني صدق [ ص: 298 ] ولم يتعرض لليمين وقال في جانب الجريح حلف

                                                                                                                            ( قوله : ولو رفعه ) أي الحاجز

                                                                                                                            ( قوله : منحل ) خبر لقوله : وقول إلخ

                                                                                                                            ( قوله : فقيل صفة لقوله بعد ) المناسب أن يقال : صفة للاندمال في قوله بعد الاندمال انتهى سم على حج .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : ولا يخالف هذا ) أي ما ذكر من تصديق الجريح .

                                                                                                                            واعلم أن [ ص: 297 ] حاصل هذا الإيراد والجواب أن الذي صدقنا فيه الجريح هنا الذي هو بمنزلة الولي فيما مر هو الذي صدقنا فيه الجاني فيما مر ، وظاهر أنه ليس كذلك بل الذي صدقنا فيه الجريح هنا وهو ما إذا أمكن الاندمال هو الذي صدقنا فيه الولي هناك والذي صدقنا فيه الجاني هنا وهو ما إذا أمكن عدم الاندمال هو الذي صدقنا فيه هنا فالمسألتان على حد سواء فلا إشكال أصلا غاية الأمر أن المصنف قدم هناك ما يصدق فيه الولي وقدم هنا ما يصدق فيه الجاني من الذكر فقط فتأمل ( قوله : باتفاقهما ) متعلق بقوة ( قوله : واستشكال لزوم اليمين هنا ) يعني : في قول المصنف ، وإلا حلف الجريح ( قوله : فالمناسب تصديقه ) يعني : الجريح ( قوله : من أنه عند عدم إمكان الاندمال يصدق ) يعني : الجاني المدعي للاندمال في مسألة ما لو قطع يديه ورجليه [ ص: 298 ] قوله : فقيل صفة ) ويجوز أن يكون ظرفا لغو متعلقا بنفس الاندمال كما لا يخفى ( قوله : لقوله بعد الاندمال ) المناسب كما قاله سم لقوله الاندمال .




                                                                                                                            الخدمات العلمية