الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( الفرق الخامس والأربعون والمائة بين قاعدة تحريم المصاهرة في الرتبة الأولى وبين قاعدة لواحقها )

اعلم أنه لما دلت النصوص على تحريم أمهات النساء والربائب ومن معهن في قوله تعالى [ ص: 116 ] { وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم } الآية حمل على العقد في الحرائر لأن المفهوم من نسائنا في غالب العادة الحرائر المنسوبون إلينا بمبيح الوطء وهو العقد وكذلك في قوله تعالى { والذين يظاهرون من نسائهم } وقوله تعالى { يا نساء النبي } لا يفهم في جميع ذلك إلا الزوجات الحرائر ولا يستلزم ذلك الدخول لقوله تعالى { اللاتي دخلتم بهن } فدل ذلك على أنهن قد يتحققن مع عدم الدخول فإذا تقرر أن المندرج في الرتبة الأولى إنما هن الحرائر ألحق بهن المملوكات في الرتبة الثانية لاستوائهما في مبيح الوطء والفراش بشرطه ولحوق الولد بشرطه ولأن الأنفات تحصل من وطء الغير ما وطئه الإنسان بالملك ويشق عليه أن يطأ أمته غيره فكان وطؤها محرما كالوطء بالعقد وألحق بالإماء والحرائر شبهتيهما في التحريم لأن الوطء بالشبهة ألحق بالعقد والملك في لحوق الولد وسقوط الحد وغيرهما .

وأما الزنى المحض قد ألحق بالشبهة في الرتبة الرابعة على مشهور مذهب مالك رحمه الله لكونه يوجب نسبة واختصاصا وربما أوجب ميلا شديدا يوجب وقع الشحناء بالمشاركة فيه كما يحصل ذلك في المشاركة بالوطء بالنكاح أو الملك وبالغ مالك في المدونة إذا التذ بها حراما كان كالوطء ووافقه أبو حنيفة وابن حنبل وقال مالك في الموطأ إنه لا يحرم وقاله الشافعي رضي الله عنه بسبب أن الزنى مطلوب العدم والإعدام فلو رتب عليه شيء من المقاصد لكان مطلوب الإيجاد فلا [ ص: 117 ] يثبت له تحريم في أثر المصاهرة واتفق الأئمة الأربعة في الملك والعقد والشبهة ووافق أبو حنيفة في الملامسة بلذة والنظر إلى الفرج أنه لا يحرم إلا أن ينزل لعدم إفضائه إلى المقصد الذي هو الوطء وهو إنما حرم تحريم الوسائل والوسيلة إذا لم تفض لمقصده سقط اعتبارها ومنع الشافعي التحريم بالملامسة للذة والنظر مطلقا قال أبو الطاهر من أصحابنا اللمس بلذة من البالغ ينشر الحرمة ومن غير البالغ قولان وبغير لذة لا ينشر مطلقا وفي نظر البالغ للذة قولان المشهور ينشر الحرمة لأنه أحد الحواس والشاذ لا ينشر لأن النظر إلى الوجه لا يحرم اتفاقا وإنما الخلاف في باطن الجسد واكتفى في تحريم زوجات الآباء والأبناء بالعقد لأن اتفاق الرجال وحمياتهم تنهض بالغضب والبغضاء بمجرد نسبة المرأة إليهم بذلك فيختل نظام ود الآباء للأبناء وود الأبناء للآباء وهو سياج عظيم عند الشرع حتى جعل خرقه من الكبائر قال عليه الصلاة والسلام { من أكبر الكبائر أن يسب الرجل أباه قالوا أو يسب الرجل أباه يا رسول الله قال يسب الرجل أبا الرجل فيسب الرجل أباه } فجعل التسبب لسب الأب بسب الأجنبي أكبر الكبائر فكيف لو سبه مباشرة قال اللخمي تحرم امرأة الجد للأب والجد للأم لاندراجهما في لف الآباء كما تندرج جدات امرأته وجدات أمها من قبل أمها وأبيها في قوله تعالى { وأمهات نسائكم } وبنت بنت الزوجة وبنت ابنها وكل من ينسب إليها بالبنوة .

وإن سفل في قوله تعالى { وربائبكم }

( تنبيه ) اعلم أن هذه الاندراجات ليست بمقتضى الوضع اللغوي ولذلك صرح الكتاب العزيز بالثلث لأم ولم يعطه الصحابة رضي الله عنهم للجدة بل حرموها حتى روي لهم الحديث في السدس وصرح بالنصف للبنت وللابنتين بالثلثين على [ ص: 118 ] السوية وورثت بنت الابن مع البنت السدس بالسنة لا بالكتاب وابن الابن كالابن في الحجب والجد ليس كالأب في الحجب والإخوة يحجبون الأم وبنوهم لا يحجبونها فتعلم من ذلك أن الأب حقيقة في الأب القريب مجازا في آبائه ولفظ الابن حقيقة في القريب مجازا في أبنائه فإن دل إجماع على اعتبار المجاز وإلا ألغي حتى يدل دليل عليه وينبغي أن يعتقد أن هذه الاندراجات في تحريم المصاهرة بالإجماع لا بالنص وأن الاستدلال بنفس اللفظ متعذر وأن الفقيه الذي يعتقد ذلك ويستدل باللفظ غالط لأن الأصل عدم المجاز والاقتصار على الحقيقة سؤال المشهور من مذاهب العلماء في تحليل الزوجة بعد الطلاق الثلاث اشتراط الوطء الحلال وحمل آية التحليل عليه لأن القاعدة أن كل متكلم له عرف فإن لفظه عند الإطلاق يحمل على عرفه فحمل النكاح في الآية على النكاح الشرعي الذي يتناوله اللفظ حقيقة لا مجازا لأجل العرف وخولفت هذه القاعدة في قوله تعالى في أمهات الربائب { اللاتي دخلتم بهن } فاعتبر مالك مطلق الوطء كان حلالا أو حراما وهو خلاف القاعدة في حمل الدخول على العرف الشرعي وهو الدخول المباح وجوابه أنه احتاط في الصورتين فخولفت القاعدة لمعارض الاحتياط

التالي السابق


حاشية ابن الشاط

[ ص: 115 ] قال ( الفرق الخامس والأربعون والمائة بين قاعدة تحريم المصاهرة في الرتبة الأولى وبين قاعدة لواحقها إلى قوله لا يفهم في جميع ذلك إلا الزوجات الحرائر )

قلت لا أعرف ما قاله من أن المفهوم من نسائنا في غالب العادة الحرائر المنسوبون إلينا بمبيح الوطء وهو العقد بل لقائل أن يقول إن المراد بنسائنا جميع المنكوحات بعقد كان نكاحهن أو ملك ، حرائر كن أو مملوكات ولقائل أن يقول المراد بهن المنكوحات بعقد وتدخل فيهن الإماء المتزوجات أما قيد كونهن حرائر فلا وجه له عندي وأما قوله المنسوبون فصوابه المنسوبات [ ص: 116 ]

قال ( ولا يستلزم ذلك الدخول لقوله تعالى { اللاتي دخلتم بهن } فدل ذلك على أنهن قد يتحققن مع عدم الدخول ) قلت هذا استدلال بالمفهوم فهو يختص بمن يراه حجة .

قال ( فإذا تقرر أن المندرج في الرتبة الأولى إلى قوله فكان وطؤها محرما كالوطء بالعقد ) قلت ألحق الإماء المنكوحات بملك اليمين بالمتزوجات بناء على ما قرره من أن لفظ نسائنا لا يتناولهن بل يختص بالمتزوجات وقد يحتمل به لسبق أن يتناولهن اللفظ إلا إن صح ما ادعاه من العرف ولا أعرف صحة ذلك .

قال ( وألحق بالإماء والحرائر شبهتيهما في التحريم لأن الوطء بالشبهة ألحق بالعقد وذلك في لحوق الولد وسقوط الحد وغيرهما ) قلت ما قاله في ذلك صحيح ظاهر وما قاله بعد ذلك أكثره حكاية أقوال وإشارة إلى توجيهها ولا كلام في ذلك [ ص: 117 ] قال ( قال اللخمي تحرم امرأة الجد للأب والجد للأم لاندراجهما في لفظ الآباء إلى قول الشهاب في تنبيهه فإن دل إجماع على اعتبار المجاز وإلا ألغي حتى يدل دليل عليه ) قلت لا أعرف صحة ما قال من أن الحقيقة في لفظ الأب وشبهه أن المراد به المباشر وأنه يغني أريد به غير المباشر فهو مجاز ولعل الأمر في ذلك بالعكس وأن الحقيقة في لفظ الأب كل من له ولادة والمجاز المباشر لكن غلب هذا المجاز حتى صار عرفا فكان ذلك السبب في اقتصار الصحابة فيما اقتصروا به من الأحكام على المباشر والله أعلم [ ص: 118 ]

قال ( وينبغي أن يعتقد أن هذه الاندراجات في تحريم مصاهرة بإجماع لا بالنص وأن الاستدلال بنفس اللفظ متعذر ) قلت ما قال في ذلك يوافق عليه لكن لا لأن الحقيقة في المباشر بل لأن المجاز الصائر عرفا فيه قال ( سؤال المشهور من مذاهب العلماء في تحليل الزوجة بعد الطلقات الثلاث اشتراط الوطء الحلال إلى آخر الفرق ) قلت يحتاج ما قاله إلى نظر وما قال في الفرقين بعده صحيح [ ص: 119 - 121 ] .



حاشية ابن حسين المكي المالكي

( الفرق الخامس والأربعون والمائة بين قاعدة تحريم المصاهرة في الرتب الأولى وبين قاعدة لواحقها )

المصاهرة في الرتبة الأولى عبارة عن المندرج في قوله تعالى { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } وقوله تعالى { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } وقوله تعالى { وأمهات نسائكم } وقوله تعالى { وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن } قال [ ص: 142 ] ابن رشد الحفيد في بدايته فهؤلاء الأربع أي زوجات الآباء وزوجات الأبناء وأمهات النساء وبنات الزوجات اتفق المسلمون على تحريم اثنين منهن بنفس العقد وهما زوجات الآباء والأبناء أي لأن اتفاق الرجال وحمياتهم تنهض بالغضب والبغضاء بمجرد نسبة المرأة إليهم بذلك فيختل نظام ود الآباء للأبناء وود الأبناء للآباء وهو سياج عظيم قد جعل الشارع صلى الله عليه وسلم خرقه من الكبائر ألا ترى إلى قوله { من أكبر الكبائر أن يسب الرجل أباه قالوا أو يسب الرجل أباه يا رسول الله قال يسب الرجل أبا الرجل فيسب الرجل أباه } فإنه جعل التسبب لسب الأب بسب الأجنبي من أكبر الكبائر فكيف لو سبه مباشرة على تحريم واحدة بالدخول وهي ابنة الزوجة أي لما تقدم عن أحكام ابن العربي واختلفوا في أم الزوجة هل تحرم بالدخول أو بالعقد كما تقدم توضيحه ولواحق المصاهرة في الرتبة الأولى عبارة عن غير المندرج فيما ذكر ممن تحقق فيه إليه بالمندرج وقد اختلف الأصل والعلامة ابن الشاط في أمرين :

( الأمر الأول ) المندرج فيما ذكر فزعم الأصل أن المندرج في ذلك إنما هن الحرائر مدعيا أن المفهوم من نسائنا في غالب العادة الحرائر المنسوبات إلينا بمبيح الوطء وهو العقد فلا يفهم من النساء فيما ذكر وفي قوله تعالى { يا نساء النبي } إلا الزوجات الحرائر ولا يستلزم ذلك الدخول لقوله تعالى { اللاتي دخلتم بهن } فدل ذلك على أنهن قد يتحققن مع عدم الدخول وعليه فيلحق بهن الإماء المنكوحات بملك اليمين في التحريم لاستوائهما في مبيح الوطء والفراش بشرطه ولحوق الولد بشرطه ولأن الأنفات تحصل من وطء الغير ما وطئه الإنسان بالملك ويشق عليه أن يطأ أمته غيره فكان وطؤها محرما كالوطء بالعقد وقال ابن الشاط لا أعرف صحة ما ادعاه من أن المفهوم من نسائنا في غالب العادة الحرائر المنسوبات إلينا بمبيح الوطء وهو العقد بل لقائل أن يقول إن المراد بنسائنا إما جميع المنكوحات بعقد كان نكاحهن أو بملك ، حرائر كن أو مملوكات وإما المنكوحات بخصوص العقد ولو كن غير حرائر ولا وجه لقيد كونهن حرائر عندي قال وقوله ولا يستلزم ذلك الدخول لقوله تعالى { اللاتي دخلتم بهن } إلخ استدلال بالمفهوم فيختص بمن يراه حجة فيتحصل أن الخلاف بينهما في الإماء المنكوحات بملك اليمين وكذلك بعقد إلا أن المنكوحات بالعقد من المندرج لا من لواحقه على كلا الترددين في كلام ابن الشاط بخلاف المنكوحات بالملك فإنهن من المندرج على الترديد الأول في كلامه ومن اللواحق على الثاني فافهم

( الأمر الثاني ) الحقيقة في لفظ الأب ولفظ الأم ولفظ الابن ولفظ [ ص: 143 ] البنت في النصوص المتقدمة فقال الأصل أن حقائقها المباشر وأنه متى أريد بها غير المباشر كانت مجازات وأن الاندراجات في قول اللخمي تحرم امرأة الجد للأب والجد للأم لاندراجهما في لفظ الآباء كما تندرج جدات امرأته وجدات أمها من قبل أمها وأبيها في قوله تعالى { وأمهات نسائكم } وبنت بنت الزوجة وبنت ابنها وكل من ينسب إليها بالبنوة وإن سفل في قوله تعالى { وربائبكم } ا هـ . ليس بمقتضى الوضع اللغوي وإلا لما صرح الكتاب العزيز بالثلث للأم ولم يعطه الصحابة رضي الله عنهم للجدة بل حرموها حتى روي لهم الحديث في السدس ولما صرح في الكتاب بالنصف للبنت وبالثلثين للبنتين على السوية ورثت بنت الابن مع البنت السدس بالسنة لا بالكتاب ولما كان ابن الابن كالابن في الحجب والجد ليس كالأب في الحجب ولما كانت الإخوة يحجبون الأم وبنوهم لا يحجبونها فحينئذ ينبغي أن يعتقد أن هذه الاندراجات في تحريم المصاهرة بالإجماع لا بالنص فإن الاستدلال بنفس اللفظ تعذر لأن الأصل عدم المجاز والاقتصار على الحقيقة فالفقيه الذي يعتقد ذلك ويستدل باللفظ غالط . ا هـ

وقال ابن الشاط لا أعرف صحة ما قاله من أن الحقيقة في لفظ الأب والأم والابن والبنت المباشر وأنه متى أريد به غير المباشر فهو مجاز لعل الأمر في ذلك بالعكس وأن الحقيقة في لفظ الأب مثلا كل من له ولادة والمجاز المباشر لكن غلب هذا المجاز حتى صار عرفا فكان ذلك السبب في اقتصار الصحابة فيما اقتصروا به من الأحكام على المباشر والله أعلم . ا هـ

وعليه فتكون الاندراجات في تحريم المصاهرة بالنص لا بالإجماع فافهم وفي أحكام القرآن لابن العربي أن من علمائنا من قال إن لفظ الأولاد يتناول حقيقة كل ولد من صلب الرجل دنيا أو بعيدا قال الله تعالى { يا بني آدم } وقال النبي صلى الله عليه وسلم { أنا سيد ولد آدم } وقال تعالى { ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد } فدخل فيه كل من كان لصلب الميت دانيا أو بعيدا ويقال بنو تميم فيعم الجميع فإن كان الصحيح هذا القول فقد غلب مجاز الاستعمال في ذلك إطلاقه على الأعيان الأدنين على تلك الحقيقة ومن علمائنا من قال ذلك حقيقة في الأدنين مجاز في الأبعدين وهذا هو الصحيح عندي بدليل أنه ينفي عنه فيقال ليس بولد ولو كان حقيقة لما ساغ فيه ألا ترى أن ولد الأعيان يسمى ولدا ولا يسمى ولد الولد وكيفما دارت الحال فقد اجتمعت الأمة هاهنا أي في قوله تعالى { يوصيكم الله في أولادكم } الآية على أنه يطلق على الجميع وقد قال مالك [ ص: 144 ] لو حبس رجل على ولده لا تنقل إلى أبنائهم واختلف قول علمائنا فيما لو قال صدقة هل تنقل إلى أولاد الأولاد على قولين وكذلك في الوصية واتفقوا على أنه لو حلف لا ولد له وله حفدة لم يحنث وإنما اختلف ذلك في أقوال المخلوقين في هذه المسائل لوجهين

( إحداهما ) أن الناس اختلفوا في حمل كلام المخلوقين هل يحمل على العموم كما يحمل كلام الباري أو لا يحمل كلام الناس على العموم بحال وإن حمل كلام الله سبحانه عليه

( الثاني ) أن كلام الناس يرتبط بالأغراض والمقاصد والمقصود من الحبس التعقيب فدخل فيه ولد الولد والمقصود من الصدقة التمليك فلم يدخل فيه غير الأدنى إلا بدليل والذي يحقق العموم هاهنا أي في الآية أنه قال بعده ولا يوليه { لكل واحد منهما السدس } فدخل فيه آباء فكذلك يدخل في الأولاد هاهنا أولاد الأولاد ثم قال في قوله تعالى { ولأبويه لكل واحد منهما السدس } هذا قول لم يدخل فيه من علا من الآباء دخول من سفل من الأبناء في قوله { أولادكم } لثلاثة أوجه

( الأول ) أن القول هاهنا مثنى والمثنى لا يحتمل العموم والجمع

( الثاني ) أنه قال { فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث } والأم العليا هي الجدة ولا يفرض لها الثلث بإجماع فخروج الجدة من هذا اللفظ مقطوع به وتناوله للأب مختلف فيه

( الثالث ) أنه إنما قصد في قوله { أولادكم } بيان العموم وقصد هنا بيان النوعين من الآباء وهما الذكر والأنثى وتفصيل فرضهما دون العموم فأما الجد فقد اختلفت فيه الصحابة فروي عن أبي بكر الصديق أنه جعله أبا وحجب به الإخوة أخذا بقوله تعالى { ملة أبيكم إبراهيم } وبقوله تعالى { يا بني آدم } وأما الجدة فقد صح أن الجدة أم الأم جاءت أبا بكر الصديق فقال لها لا أجد لك في كتاب الله شيئا وما أنا بزائد في الفرائض شيئا . ا هـ

المراد بتصرف وإصلاح فافهم ( وقد وافق ) ابن الشاط الأصل في مسائل قائلا : ما قاله في الأولى صحيح ظاهر وما قاله بعد ذلك أكثره حكاية أقوال وإشارة إلى توجيهات ولا كلام في ذلك . ا هـ

( المسألة الأولى )

شبهتا العقد والملك تلحق بهما في التحريم للحرائر والإماء بالعقد والملك لأن الوطء بالشبهة قد ألحق بالوطء بهما في لحوق الولد وسقوط الحد وغيرها ( المسألة الثانية )

يلحق بالشبهة في الرتبة الرابعة على مشهور مذهب مالك رحمه الله تعالى الزنى المحض لكونه يوجب مسبة اختصاصا وربما أوجب ميلا شديدا يوجب وقوع الشحناء بالمشاركة فيه كما يحصل ذلك في المشاركة بالوطء بالنكاح والملك بل بالغ فقال في المدونة إذا التذ بها حراما كان كالوطء ووافقه أبو حنيفة وابن حنبل نعم قال [ ص: 145 ] مالك في الموطإ أنه لا يحرم وقاله الشافعي رضي الله عنه بسبب أن الزنى مطلوب العدم والإعدام فلو رتب عليه شيء من المقاصد لكان مطلوب الإيجاد فلا يثبت له تحريم في أثر المصاهرة ( المسألة الثانية )

اتفق الأئمة الأربعة على أن وطء الأم بالعقد أو الملك أو الشبهة يحرم بنتها لقوله تعالى { اللاتي دخلتم بهن } لأن الوطء هو الأصل في الدخول واختلفوا في التلذذ بما دون الوطء فقال مالك وأبو حنيفة ومثل الوطء اللمس للذة لأنه استمتاع مثله يحل بحله ويحرم بحرمته ويدخل تحت عمومه وقال أبو الطاهر من أصحابنا اللمس للذة من البالغ ينشر الحرمة ومن غير البالغ قولان وبغير لذة لا ينشر مطلقا وفي نظر البالغ ما عدا الوجه من باطن الجسد للذة قولان المشهور ينشر الحرمة لأنه أحد الحواس والشاذ لا ينشر ولا يحرم النظر إلى الوجه اتفاقا وفي الأحكام لابن العربي وأما النظر فعند ابن القاسم أنه يحرم وقال غيره لا يحرم لأنه في الدرجة الثانية شبهه في الزنى ذريعة الذريعة لكن الأموال تارة يغلب فيها التحليل وتارة يغلب فيها التحريم فأما الفروج فقد اتفقت الأمة فيها على تغليب التحريم فكما أن النظر لا يحل إلا إذا حل أصله اللمس والوطء بعقد نكاح أو شراء وكذلك يحرم إذا حرم أصله . ا هـ

وفي بداية المجتهد والنظر عند مالك كاللمس إذا كان نظر تلذذ إلى أي عضو كان وفيه عنه خلاف ووافقه أبو حنيفة في النظر إلى الفرج فقط وقال الأصل أنه لا يحرم عنده إلا أن ينزل لعدم إفضائه إلى المقصد الذي هو الوطء وهو إنما حرم تحريم الوسائل والوسيلة إذا لم تفض لمقصدها سقط اعتبارها ومنع الشافعي التحريم بالملامسة للذة والنظر مطلقا وفي بداية المجتهد وهو أحد قولين المختار عنده وقوله الثاني لم يوجب في النظر شيئا وواجب في اللمس . ا هـ

( تنبيه ) قال الأصل اعتبر مالك قاعدة حمل اللفظ عند الإطلاق على عرف المتكلم به كغيره من العلماء في مشهور مذاهبهم في آية التحليل للزوجة بعد الطلاق الثلاث حيث حمل النكاح فيها على الوطء الحلال وجعله شرطا لموافقتها قاعدة الاحتياط في الفروج وخالفها في قوله تعالى في أمهات الربائب { اللاتي دخلتم بهن } حيث حمل الدخول فيها على خلاف العرف الشرعي من الدخول المباح فاعتبر مطلق الوطء ولو حراما لمعارض الاحتياط في الفروج ا هـ . وقال ابن الشاط يحتاج ما قاله إلى نظر . ا هـ

قلت لعل وجهه أن النكاح في عرف الشرع حقيقة في وطء مطلقا لا في خصوص الوطء الحلال فقد قال أبو حنيفة في قوله تعالى { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } [ ص: 146 ] أي ما وطئوه لأن النكاح حقيقة في الوطء فيحرم على الشخص مزنية أبيه كما في المحلي على جمع الجوامع وقد تقدم نحوه عن الأصل في الفرق الرابع والأربعين والمائة فلا تغفل . وقال ابن العربي في كتاب الأحكام في قوله تعالى { فإن طلقها فلا تحل له من بعد } قال سعيد بن المسيب تحل المطلقة ثلاثا للأول بمجرد العقد من الثاني وإن لم يطأها الثاني لظاهر قوله تعالى { فلا تحل له من بعد حتى تنكح } والنكاح العقد وهذا لا يصح بل هو هنا الوطء لأنه صلى الله عليه وسلم شرط ذوق العسيلة وهي عبارة عن الوطء نعم يرد على مذهبنا أن من أصول الفقه أن الحكم هل يتعلق بأوائل الأسماء لزمنا مذهب سعيد بن المسيب وإن قلنا إن الحكم يتعلق بأواخر الأسماء لزمنا أن نشترط الإنزال مع مغيب الحشفة في الإحلال لأنه آخر ذوق العسيلة ولذا لا يجوز له أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها ولم يشترط عندنا في التحليل الإنزال فصارت المسألة في غاية الإشكال بل ما مر بي في الفقه أعسر منها . ا هـ ملخصا والله سبحانه وتعالى أعلم .




الخدمات العلمية