الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        وإذا كان كذلك : فالبدع من جملة المعاصي ، وقد ثبت التفاوت في المعاصي ، فكذلك يتصور مثله في البدع . فمنها ما يقع في الضروريات ( أي أنه إخلال بها ) ، ومنها ما يقع في رتبة الحاجيات ، ومنها ما يقع في رتبة التحسينات ، وما يقع في رتبة الضروريات ، منه ما يقع في الدين أو النفس أو النسل أو العقل أو المال .

                        فمثال وقوعه في الدين ما تقدم من اختراع الكفار وتغييرهم ملة إبراهيم عليه السلام ، من نحو قوله تعالى : ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام فروي عن المفسرين فيها أقوال كثيرة ، وفيها عن ابن المسيب أن البحيرة من الإبل هي التي يمنح درها للطواغيت ، والسائبة هي التي يسيبونها لطواغيتهم ، والوصيلة هي الناقة تبكر بالأنثى ثم تثني بالأنثى ، يقولون : وصلت أنثيين ليس بينهما ذكر ، فيجدعونها لطواغيتهم ، والحامي هو الفحل من الإبل كان يضرب الضراب المعدودة ، فإذا بلغ ذلك قالوا : [ ص: 519 ] حمي ظهره ، فيترك فيسمونه الحامي .

                        وروى إسماعيل القاضي عن زيد بن أسلم ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

                        إني لأعرف أول من سيب السوائب ، وأول من غير عهد إبراهيم عليه السلام . قال : قالوا : من هو يا رسول الله ؟ قال : عمرو بن لحي أبو بني كعب ، لقد رأيته يجر قصبه في النار ، يؤذي ريحه أهل النار ، وإني لأعرف أول من بحر البحائر ، قالوا : من هو يا رسول الله ؟ قال : رجل من بني مدلج ، وكانت له ناقتان ، فجدع أذنيهما وحرم ألبانهما ، ثم شرب ألبانهما بعد ذلك ، فلقد رأيته في النار هو وهما يعضانه بأفواههما ويخبطانه بأخفافهما .

                        وحاصل ما في هذه الآية تحريم ما أحل الله على نية التقرب به إليه ، مع كونه حلالا بحكم الشريعة المتقدمة . ولقد هم بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحرموا على أنفسهم ما أحل الله ، وإنما كان قصدهم بذلك الانقطاع إلى الله عن الدنيا وأسبابها وشواغلها ، فرد ذلك عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عز وجل : ياأيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين .

                        [ ص: 520 ] وسيأتي شرح هذه الآية في الباب السابع ـ إن شاء الله تعالى ـ وهو دليل على أن تحريم ما أحل الله ـ وإن كان بقصد سلوك طريق الآخرة ـ منهي عنه ، وليس فيه اعتراض على الشرع ، ولا تغيير له ، ولا قصد فيه الابتداع ، فما ظنك به إذا قصد به التغيير والتبديل كما فعل الكفار ، أو قصد فيه الابتداع في الشريعة ، وتمهيد سبيل الضلالة ؟ !

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية