الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 319 ] ذكر كمية حياته وكيفية وفاته عليه السلام

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قد تقدم في ذكر الأحاديث الواردة في خلق آدم ، أن الله لما استخرج ذريته من ظهره ، فرأى فيهم الأنبياء ، عليهم السلام ، ورأى فيهم رجلا يزهر ، فقال : أي رب ، من هذا ؟ قال : هذا ابنك داود ، قال : أي رب ، كم عمره ؟ قال : ستون عاما . قال : أي رب ، زد في عمره . قال : لا ، إلا أن أزيده من عمرك . وكان عمر آدم ألف عام فزاده أربعين عاما ، فلما انقضى عمر آدم جاءه ملك الموت ، فقال : بقي من عمري أربعون سنة . ونسي آدم ما كان وهبه لولده داود ، فأتمها الله لآدم ألف سنة ، ولداود مائة سنة رواه أحمد عن ابن عباس ، والترمذي ، وصححه عن أبي هريرة ، وابن خزيمة ، وابن حبان ، وقال الحاكم : على شرط مسلم . وقد تقدم ذكر طرقه وألفاظه في قصة آدم . قال ابن جرير : وقد زعم بعض أهل الكتاب أن عمر داود كان سبعا وسبعين سنة . قلت : هذا غلط مردود عليهم . قالوا : وكان مدة ملكه أربعين سنة . وهذا قد يقبل نقله ; لأنه ليس عندنا ما ينافيه ولا ما يقتضيه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 320 ] وأما وفاته ، عليه السلام ، فقال الإمام أحمد في " مسنده " : حدثنا قتيبة ، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن المطلب ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كان داود النبي فيه غيرة شديدة ، وكان إذا خرج أغلقت الأبواب ، فلم يدخل على أهله أحد حتى يرجع ، قال : فخرج ذات يوم وغلقت الدار ، فأقبلت امرأته تطلع إلى الدار ، فإذا رجل قائم وسط الدار ، فقالت لمن في البيت : من أين دخل هذا الرجل والدار مغلقة ؟ والله لتفتضحن بداود . فجاء داود ، فإذا الرجل قائم وسط الدار ، فقال له داود : من أنت ؟ قال : أنا الذي لا أهاب الملوك ولا يمتنع مني شيء ، فقال داود : أنت والله ملك الموت ، فمرحبا بأمر الله . فرمل داود مكانه حيث قبضت روحه ، حتى فرغ من شأنه ، وطلعت عليه الشمس ، فقال سليمان للطير : أظلي على داود . فأظلته الطير حتى أظلمت عليهما الأرض ، فقال لها سليمان : اقبضي جناحا جناحا قال أبو هريرة : يرينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف فعلت الطير . وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ، وغلبت عليه يومئذ المضرحية انفرد بإخراجه الإمام أحمد ، وإسناده جيد [ ص: 321 ] قوي ; رجاله ثقات . ومعنى قوله : وغلبت عليه يومئذ المضرحية ; أي : وغلبت على التظليل عليه المضرحية ، وهي الصقور الطوال الأجنحة ، واحدها مضرحي ، قال الجوهري : وهو الصقر الطويل الجناح . وقال السدي عن أبي مالك عن ابن عباس قال : مات داود ، عليه السلام ، فجأة ، وكان يسبت ، وكانت الطير تظله . وقال السدي أيضا عن أبي مالك ، وعن سعيد بن جبير ، قال : مات داود ، عليه السلام ، يوم السبت فجأة . وقال إسحاق بن بشر ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، قال : مات داود عليه السلام ، وهو ابن مائة سنة ، ومات يوم الأربعاء فجأة . وقال أبو السكن الهجري : مات إبراهيم الخليل ، فجأة وداود فجأة ، وابنه سليمان فجأة ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين . رواه ابن عساكر . وروى عن بعضهم : أن ملك الموت جاءه وهو نازل من محرابه ، فقال له : دعني أنزل أو أصعد . فقال : يا نبي الله قد نفذت السنون والشهور والآثار والأرزاق . قال : فخر ساجدا على مرقاة من تلك المراقي ، فقبضه وهو ساجد . وقال إسحاق بن بشر : أنبأنا وافر بن سليمان ، عن أبي سليمان الفلسطيني ، عن وهب بن منبه ، قال : إن الناس حضروا جنازة داود ، عليه السلام ، فجلسوا في الشمس في يوم صائف . قال : وكان قد شيع جنازته يومئذ أربعون ألف راهب ، عليهم البرانس ، سوى غيرهم من الناس ، ولم يمت في بني إسرائيل - بعد موسى وهارون - أحد كانت بنو إسرائيل أشد جزعا عليه منهم على داود . قال : [ ص: 322 ] فآذاهم الحر ، فنادوا سليمان ، عليه السلام ، أن يعجل عليهم لما أصابهم من الحر ، فخرج سليمان فنادى الطير فأجابت ، فأمرها فأظلت الناس . قال : فتراص بعضهم إلى بعض من كل وجه حتى استمسكت الريح ، فكاد الناس أن يهلكوا غما ، فصاحوا إلى سليمان ، عليه السلام ، من الغم ، فخرج سليمان فنادى الطير أن أظلي الناس من ناحية الشمس ، وتنحي عن ناحية الريح . ففعلت ، فكان الناس في ظل وتهب عليهم الريح ، فكان ذلك أول ما رأوه من ملك سليمان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع ، حدثني الوليد بن مسلم ، عن الهيثم بن حميد ، عن الوضين بن عطاء ، عن نصر بن علقمة ، عن جبير بن نفير ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد قبض الله داود من بين أصحابه ما فتنوا ولا بدلوا ولقد مكث أصحاب المسيح على سنته وهديه مائتي سنة هذا حديث غريب ، وفي رفعه نظر ، والوضين بن عطاء كان ضعيفا في الحديث . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية