الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الضرب الثاني : الصلح عن الدين ، وهو صنفان :

                                                                                                                                                                        أحدهما : صلح المعاوضة وهو الجاري على عين الدين المدعى . فينظر ، إن صالح عن بعض أموال الربا على ما يوافقه في العلة ، فلا بد من قبض العوض في المجلس ، ولا يشترط تعيينه في نفس الصلح على الأصح . فإن لم يكن العوضان ربويين ، فإن كان العوض عينا صح الصلح ، ولا يشترط قبضه في المجلس على الأصح . وإن كان دينا صح على الأصح ، ولكن يشترط التعيين في المجلس ، ولا يشترط القبض بعد التعيين على الأصح .

                                                                                                                                                                        الصنف الثاني : صلح الحطيطة وهو الجاري على بعض الدين المدعى ، فهو إبراء عن بعض الدين ، فإن استعمال لفظ الإبراء أو ما في معناه ، بأن قال : أبرأتك من خمسمائة من الألف الذي عليك ، أو صالحتك على الباقي ، برئ مما أبرأه ، ولا يشترط القبول على الصحيح . وفي وجه بعيد : يشترط فيه ، وفي كل إبراء [ ص: 196 ] ولا يشترط قبض الباقي في المجلس . وإن اقتصر على لفظ الصلح فقال : صالحتك على الألف الذي لي عليك على خمسمائة ، فوجهان كنظيره في صلح الحطيطة في العين ، والأصح الصحة . وفي اشتراط القبول وجهان ، كالوجهين فيما لو قال لمن عليه الدين : وهبته لك . والأصح ، الاشتراط ؛ لأن اللفظ بوضعه يقتضيه . ولو صالح منه على خمسمائة معينة جرى الوجهان . ورأي الإمام الفساد هنا أظهر . ولا يصح هذا الصنف بلفظ البيع ، كنظيره في الصلح عن العين . ولو صالح من ألف مؤجل على ألف حال أو عكسه فباطل ؛ لأن الأجل لا يسقط ولا يلحق . فلو عجل من عليه المؤجل وقبله المستحق ، سقط الأجل بالاستيفاء ، وكذا الحكم في الصحيح والمكسر . ولو صالح من ألف مؤجل على خمسمائة حالة فباطل . ولو صالح من ألف حال على خمسمائة مؤجلة ، فهذا ليس من المعاوضة في شيء ، بل هو مسامحة من وجهين : أحدهما : حط خمسمائة . والثاني : إلحاق أجل بالباقي . والأول شائع ، فيبرأ عن خمسمائة . والثاني : وعد لا يلزم ، فله المطالبة بالباقي في الحال .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال أحد الوارثين لصاحبه : تركت حقي من التركة لك ، فقال قبلت ، لم يصح ويبقى حقه كما كان . ولو قال صالحتك من نصيبي على هذا الثوب ، فإن كانت التركة أعيانا ، فهو صلح عن العين . وإن كانت ديونا عليه ، فهو صلح عن الدين . وإن كانت على غيره ، فهو بيع دين لغير من عليه ، وقد سبق حكمه . وإن كان فيها عين ودين على الغير ، ولم نجوز بيع الدين لغير من عليه بطل الصلح في الدين . وفي العين قولا تفريق الصفقة .

                                                                                                                                                                        [ ص: 197 ] فرع

                                                                                                                                                                        له في يد رجل ألف درهم ، وخمسون دينارا ، فصالحه منه على ألفي درهم ، لا يجوز . وكذا لو مات عن ابنين والتركة ألف درهم ومائة دينار ، وهي في يد أحدهما ، فصالحه الآخر من نصيبه على ألفي درهم ، لم يجز . ولو كان المبلغ المذكور دينا في ذمة غيره ، فصالحه منه على ألفي درهم جاز . والفرق أنه إذا كان في الذمة ، فلا ضرورة إلى تقدير المعاوضة فيه ، فيجعل مستوفيا لأحد الألفين ، ومعتاضا عن الدنانير الألف الآخر . وإذا كان معينا ، كان الصلح عنه اعتياضا ، فكأنه باع ألف درهم وخمسين دينارا بألفي درهم . وهو من صور مد عجوة . ونقل الإمام عن القاضي حسين وجها في صورة الدين بالمنع ، تنزيلا على المعاوضة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        صالحه عن الدار المدعاة على أن يسكنها سنة ، فهو إعادة للدار يرجع فيها متى شاء . وإذا رجع ، لم يستحق أجرة للمدة الماضية على الصحيح ؛ لأنها عارية . وفي وجه : يستحق ؛ لأنه قابل به رفع اليد عنها ، وهو عوض فاسد ، فيرجع بأجرة المثل . ولو صالحه عنها على أن يسكنها بمنفعة عبده سنة ، فهو كما لو أجر دارا بمنفعة عبد سنة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        صالحه عن الزرع الأخضر بشرط القطع ، جاز . ودون هذا الشرط لا يجوز . ولو كانت المصالحة عن الزرع مع الأرض ، فلا حاجة إلى شرط القطع على الأصح . [ ص: 198 ] ولو كان النزاع في نصف الزرع ، ثم أقر المدعى عليه ، وتصالحا عنه على شيء ، لم يجز . وإن شرطا القطع ، كما لو باع نصف الزرع مشاعا لا يصح ، سواء شرط أم لا .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية