الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8692 ) فصل : إذا سأل العبد سيده مكاتبته ، استحب له إجابته ، إذا علم فيه خيرا ، ولم يجب ذلك . في ظاهر المذهب . وهو قول عامة أهل العلم ، منهم الحسن ، والشعبي ، ومالك ، والثوري ، والشافعي ، وأصحاب الرأي . وعن أحمد ، أنها واجبة ، إذا دعا العبد المكتسب الصدوق سيده إليها ، فعليه إجابته . وهو قول عطاء ، والضحاك ، وعمرو بن دينار ، وداود . وقال إسحاق : أخشى أن يأثم إن لم يفعل ، ولا يجبر عليه . ووجه ذلك قول الله تعالى : { فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا } . وظاهر الأمر الوجوب . وروي أن سيرين أبا محمد بن سيرين ، كان عبدا لأنس بن مالك ، فسأله أن يكاتبه ، فأبى ، فأخبر سيرين عمر بن الخطاب بذلك ، فرفع الدرة على أنس ، وقرأ عليه : { والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا } . فكاتبه أنس . [ ص: 334 ]

                                                                                                                                            ولنا ، أنه إعتاق بعوض ، فلم يجب ، كالاستسعاء ، والآية محمولة على الندب ، وقول عمر رضي الله عنه ، يخالف فعل أنس . ولا خلاف بينهم في أن من لا خير فيه لا تجب إجابته . قال أحمد : الخير صدق ، وصلاح ، ووفاء بمال الكتابة ، ونحو هذا قال إبراهيم ، وعمرو بن دينار ، وغيرهما ، وعبارتهم في ذلك مختلفة ، قال ابن عباس : غنى ، وإعطاء للمال . وقال مجاهد : غنى ، وأداء . وقال النخعي : صدق ، ووفاء . وقال عمرو بن دينار : مال ، وصلاح . وقال الشافعي : قوة على الكسب ، وأمانة . وهل تكره كتابة من لا كسب له أو لا ؟ قال القاضي : ظاهر كلام أحمد كراهيته . وكان ابن عمر رضي الله عنه يكرهه . وهو قول مسروق ، والأوزاعي .

                                                                                                                                            وعن أحمد ، رواية أخرى ، أنه لا يكره . ولم يكرهه الشافعي ، وإسحاق ، وابن المنذر ، وطائفة من أهل العلم ; { لأن جويرية بنت الحارث ، كاتبها ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها ، فأدى عنها كتابتها ، وتزوجها . } واحتج ابن المنذر ، { بأن بريرة كاتبت ولا حرفة لها ، ولم ينكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم } . ووجه الأول ما ذكرنا في عتقه ، وينبغي أن ينظر في المكاتب ، فإن كان ممن يتضرر بالكتابة ويضيع ، لعجزه عن الإنفاق على نفسه ، ولا يجد من ينفق عليه ، كرهت كتابته ، وإن كان يجد من يكفيه مؤنته ، لم تكره كتابته ; لحصول النفع بالحرية من غير ضرر . فأما جويرية ، فإنها كانت ذات أهل ، ومال وكانت ابنة سيد قومه ، فإذا عتقت ، رجعت إلى أهلها ، فأخلف الله لها خيرا من أهلها ، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصارت إحدى أمهات المؤمنين ، وأعتق الناس ما كان بأيديهم من قومها ، حين بلغهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها ، وقالوا : أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلم ير امرأة أعظم بركة على قومها منها .

                                                                                                                                            وأما بريرة ، فإن كتابتها تدل على إباحة ذلك ، وأنه ليس بمنكر ، ولا خلاف فيه ، وإنما الخلاف في كراهته . قال مسروق : إذا سأل العبد مولاه المكاتبة ; فإن كان له مكسبة ، أو كان له مال ، فليكاتبه ، وإن لم يكن له مال ولا مكسبة ، فليحسن ملكته ، ولا يكلفه إلا طاقته .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية