الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو كان لرجل على رجل ألف درهم فأحال بها عليه رجلا فلما استوفاها المحتال قال المحتال للمحيل : كان المال لي عليك فإنما استوفيت حق نفسي ، وقال المحيل : بل كنت وكيلي في قبض مالي ; لم يكن لك علي شيء فالقول قول المحيل ; لأن وجوب المال له على المحتال عليه كان ظاهرا كالمقبوض بذلك السبب فيكون ملكا له ثم القابض يدعي لنفسه دينا عليه حتى يحبس ماله بذلك . ولم يظهر ذلك الدين له عليه ، فإن إحالته عليه لا تكون دليلا على وجوب المال للمحتال على المحيل فيكون القول قول المنكر ويؤمر بدفع المال إليه إلا أن يثبت دين نفسه عليه . ولو أراد المحتال عليه أن يمنع المال من الذي أحال به عليه ورب المال غائب ; لم يكن له عليه ذلك بعد الحوالة ; لأنه قد التزم دفع المال إليه فعليه الوفاء بما التزم ، وكذلك لو قال رب المال : اضمن له هذا المال . فهو مثل الحوالة بخلاف ما لو قال : اضمن له هذا المال عني فإنه يكون إقرارا من رب المال بالمال لهذا ; لأنه أمره بأن يضمن عنه ولا يتحقق ذلك إلا بعد وجوب المال عليه ولأن قوله : اضمن عني له ، بمنزلة التصريح منه أن القابض عامل لنفسه وليس بوكيل من جهته وإنما يكون ذلك عند وجوب [ ص: 58 ] المال للطالب على الأصيل وكذلك الحوالة إذا قال : يحتال إليك بالألف التي لي عليك ; لم يكن هذا إقرارا بأن المال عليه .

ولو قال : هو محتال عليك بألف درهم لتؤديها عني من المال الذي لي عليك فهذا إقرار منه بوجوب المال عليه للمحتال . وإذا قال : يحتال عليك بألف درهم لم يكن هذا إقرارا منه بالمال ولكن المحتال عليه لا يستطيع الامتناع من أداء المال إلى المحتال ; لأنه التزمها له ولأن كلامه محتمل . وبالمحتمل لا يكون له أن يمتنع من إيفاء ما التزم ، وإن أداها وكان خليطا للآمر رجع بها عليه ورجع بها الآمر على المضمون له بعد أن يحلف أنها ليست عليه .

وقد بينا في الحوالة نظيره فكذلك في الضمان ولو لم يكن خليطا له لم يرجع بها عليه ; لأنه ليس في لفظه ما يدل على الأمر بالضمان فلا يثبت له حق الرجوع عليه ولكنها تسلم للمضمون له بخلاف ما سبق من قوله : ادفع ; لأنه ليس هناك من المأمور التزام شيء للمدفوع إليه .

( ألا ترى ) أن له أن يمتنع من الدفع إليه فكذلك بعد الدفع له أن يرجع بها عليه . وهنا بقبول الحوالة والضمان قد التزم المال للمضمون له حتى لا يكون له أن يمتنع من الدفع إليه في الابتداء فكذلك بعد الدفع إليه لا يكون له أن يرجع عليه بشيء مما أدى إليه . والله أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية