الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          " وأما ثانيا : فإن الكتاب والسنة إذا تعارضا ، فاختلف أهل الأصول هل يقدم الكتاب على السنة أم بالعكس أم هما متعارضان ؟ وقد تكلم الناس في حديث معاذ ، ورأوا أنه خلاف الدليل ، فإن كل ما في الكتاب لا يقدم على كل السنة ; فإن الأخبار المتواترة لا تضعف في الدلالة عن أدلة الكتاب وأخبار الآحاد في محل الاجتهاد مع ظواهر الكتاب ; ولذلك وقع الخلاف ، وتأولوا التقديم في الحديث على معنى البداية بالأسهل الأقرب وهو الكتاب ، فإذا كان الأمر على هذا فلا وجه لإطلاق القول بتقديم الكتاب بل المتبع الدليل .

                          [ ص: 134 ] " فالجواب : أن قضاء السنة على الكتاب ليس بمعنى تقديمها عليه وإطراح الكتاب ، بل إن ذلك المعبر في السنة هو المراد في الكتاب ، فكأن السنة بمنزلة التفسير والشرح لمعاني أحكام الكتاب ، ودل على ذلك قوله : لتبين للناس ما نزل إليهم ( 16 : 44 ) فإذا حصل بيان قوله تعالى : والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ( 5 : 38 ) بأن القطع من الكوع ، وأن المسروق نصاب فأكثر من حرز مثله ; فذلك هو المعنى المراد من الآية ، لا أن نقول إن السنة أثبتت هذه الأحكام دون الكتاب ، كما إذا بين مالك أو غيره من المفسرين معنى آية أو حديث ، فعملنا بمقتضاه ، فلا يصح لنا أن نقول : إننا عملنا بقول المفسر الفلاني ، دون أن نقول عملنا بقول الله أو قول رسوله عليه السلام . وهكذا سائر ما بينته السنة من كتاب الله ، فمعنى كون السنة قاضية على الكتاب ; أنها مبينة له ، فلا يوقف مع إجماله واحتماله وقد بينت المقصود منه لا أنها مقدمة عليه .

                          " وأما خلاف الأصوليين في التعارض ، فقد مر في أول كتاب الأدلة أن خبر الواحد إذا استند إلى قاعدة مقطوع بها فهو في العمل مقبول ، وإلا فالتوقف ، وكونه مستندا إلى مقطوع به راجع إلى أنه جزئي تحت معنى قرآني كلي ، وتبين معنى هذا الكلام هنالك ، فإذا عرضنا هذا الموضع على تلك القاعدة ، وجدنا المعارضة في الآية والخبر معارضة أصلين قرآنيين ، فيرجع إلى ذلك ، وخرج عن معارضة كتاب مع سنة ، وعند ذلك لا يصح هذا التعارض إلا من تعارض قطعيين ، وأما إذا لم يستند الخبر إلى قاعدة قطعية ، فلا بد من تقديم القرآن على الخبر بإطلاق .

                          " وأيضا فإن ما ذكر من تواتر الأخبار ، إنما غالبه فرض أمر جائز ، ولعلك لا تجد في الأخبار النبوية ما يقضي بتواتره إلى زمن الواقعة ، فالبحث المذكور في المسألة بحث في غير واقع أو نادر الوقوع ، ولا كبير جدوى فيه ، والله أعلم .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية