الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما

كتاب السرقة

والنظر في هذا الكتاب في حد السرقة ، وفي شروط المسروق الذي يجب به الحد ، وفي صفات السارق الذي يجب عليه الحد ، وفي العقوبة ، وفيما تثبت به هذه الجناية .

[ تعريف السرقة ]

فأما السرقة ، فهي أخذ مال الغير مستترا من غير أن يؤتمن عليه ، وإنما قلنا هذا لأنهم أجمعوا أنه ليس في الخيانة ولا في الاختلاس قطع إلا إياس بن معاوية ، فإنه أوجب في الخلسة القطع ، وذلك مروي عن النبي - عليه الصلاة والسلام - .

وأوجب أيضا قوم القطع على من استعار حليا أو متاعا ثم جحده لمكان حديث المرأة المخزومية المشهور : " أنها كانت تستعير الحلي ، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطعها لموضع جحودها " وبه قال أحمد [ ص: 757 ] وإسحاق والحديث حديث عائشة قالت : " كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده ، فأمر النبي - عليه الصلاة والسلام - بقطع يدها ، فأتى أسامة أهلها فكلموه ، فكلم أسامة النبي - عليه الصلاة والسلام - ، فقال النبي - عليه الصلاة والسلام - : يا أسامة لا أراك تتكلم في حد من حدود الله ، ثم قام النبي - عليه الصلاة والسلام - خطيبا فقال : " إنما أهلك من كان قبلكم أنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق الضعيف قطعوه ، والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعتها " ورد الجمهور هذا الحديث لأنه مخالف للأصول ، وذلك أن المعار مأمون وأنه لم يأخذ بغير إذن فضلا أن يأخذ من حرز ، قالوا : وفي الحديث حذف ، وهو أنها سرقت مع أنها جحدت ، ويدل على ذلك قوله - عليه الصلاة والسلام - : " إنما أهلك من كان قبلكم أنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه " قالوا : وروى هذا الحديث الليث بن سعد عن الزهري بإسناده ، فقال : فيه : " إن المخزومية سرقت " ، قالوا : وهذا يدل على أنها فعلت الأمرين جميعا الجحد والسرقة .

وكذلك أجمعوا على أنه ليس على الغاصب ولا على المكابر المغالب قطع إلا أن يكون قاطع طريق شاهرا للسلاح على المسلمين مخيفا للسبيل ، فحكمه حكم المحارب على ما سيأتي في حد المحارب .

التالي السابق


الخدمات العلمية