الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الركن الثاني العلم بصفات الله تعالى ومداره على عشرة أصول :

الأصل الأول :

العلم بأن صانع العالم ، قادر وأنه تعالى في قوله وهو على كل شيء قدير صادق .

التالي السابق


(الركن الثاني) أي: من الأركان الأربعة (العلم بصفات الله تعالى )

اعلم أن صفات الله تعالى منها ما هو جار على الذات، بحيث يحمل عليها، كالحي، والقادر، والعالم، والمريد، والمتكلم، والسميع، والبصير، وغير ذلك، وبعضهم يسميها أحكاما، ومنها ما هو ليس بجار ولا محمول على الذات، بل هو قائم به قيام الاختصاص، كالحياة والعلم والقدرة والإرادة والكلام، وغير ذلك .

واختلفت الأشاعرة في إثبات الحال، فمن نفاها منهم وهم الأكثر، فمعنى القادر -مثلا- عندهم هو الذات من حيث قيام القدرة به، فهو اسم للذات باعتبار المعنى القائم بها، فليس عند هؤلاء إلا الذات والقدرة القائمة به، فتارة يعبر عن الذات بما لا يشعر بالصفة، كما يعبر بأسماء الذات كالله، وتارة يعبر عن تلك المعاني بما يشعر بها فقط، لا بالذات، كما يقال: القدرة -مثلا- معبرا عن الصفة الخاصة وتارة يعبر بما يشعر بهما معا، وإن المدلول من ذلك هو الذات باعتبار قيام المعنى به، وهذا المتبادر من التعبير .

ونقل عن الشيخ أن المدلول من قولنا: القادر والعالم -مثلا- هو نفس الصفة التي هي القدرة والعلم من حيث قيامهما بالذات، وعلى هذا جرى في أسماء الصفات، حيث قال: لا هي عين المسمى، ولا هي غيره، وأما من أثبت الحال فيقول: إن هناك ثلاثة أمور: الذات، والمعنى القائم به، والحال، وهو كون الذات قادرة، والأولان موجودان، والحال ثابتة وليست بموجودة، ولا معدومة، وبالجملة فمن نفى الأحوال ينظر في الصفات الجارية على الذات، وفي الصفات القائمة في تعلقها، ومن أثبت ينظر في ذلك ويزيد بالنظر في إثبات الحال، وفي تعبير المتأخرين بعد ذكر الصفات السلبية ذكر صفات المعاني، وهي سبعة: القدرة والإرادة والعلم والحياة والسمع والبصر والكلام; ويقال لها أيضا: صفات الذات وصفات الإكرام وصفات الثبوت، وتقديم صفات السلب عليها من تقديم التخلية على التحلية، كما في تقديم النفي على الإثبات في "لا إله إلا الله" وتقديم المعاني على المعنوية لتوقفها عليها اشتقاقا وتحققا، إذ العالم -مثلا- المأخوذ من كونه عالما، مشتق من العلم، وثبوته للذات فرع ثبوته لها وقيامه بها .

وبعضهم قدم المعنوية للاتفاق عليها؛ ولأنها دلائل على صفات المعاني، وإنما سميت في الاصطلاح صفات المعاني; لأنها صفات موجودة في نفسها، سواء كانت حادثة، كبياض الجرم مثلا وسواده، أو قديمة كعلمه تعالى وقدرته، فكل صفة موجودة في نفسها تسمى صفة معنى؛ لأنها معان زائدة على معنى الذات العلية، وهذا في اصطلاح المتأخرين، وأما المتقدمون كالمصنف وغيره فلا فرق عندهم بين المعاني والمعنوية، ويطلقون صفات المعاني عليهما معا، لا ما يسميه غيرهم صفات معنوية هو عندهم عبارة عن قيام المعاني بالذات، فمعنى كونه عالما قيام العلم بالذات، وإن كانت الصفة غير موجودة في نفسها، فإن كانت واجبة للذات ما دامت علتها قائمة بالذات سميت صفة معنوية أو حالا معنوية، ومثالها كون الذات عالمة أو قادرة مثلا .

(ومداره على عشرة أصول: الأصل الأول: العلم بأن الله صانع العالم، قادر) أي: ذو قدرة، وهي عبارة عن المعنى الذي به يوجد الشيء مقدرا بتقدير الإرادة والعلم، واقعا على وفقهما، فالقادر هو الذي إن شاء فعل، وإن لم يشأ لم يفعل، وليس من شرطه أن يشاء لا محالة؛ فإن الله تعالى قادر على إقامة القيامة الآن، فإنه لو شاء أقامها، وإن كان لا يقيمها فإنه لم يشأها ولا يشاؤها، لما جرى في سابق عمله من تقدير أجلها ووقتها، وذلك لا يقدح في القدرة، والقادر [ ص: 137 ] المطلق هو الذي يخترع كل موجود اختراعا ينفرد به ويستغني فيه عن معاونة غيره هو الله سبحانه وتعالى .

قال المصنف في "المقصد الأسنى": (وأنه تعالى في قوله) الكريم في كتابه العزيز ( وهو على كل شيء قدير صادق) قال أبو منصور التميمي: قد وردت السنة بذكر القادر والمقتدر في أسماء الله تعالى، وجاء القرآن بهذين الاسمين، وبالقدير أيضا، والقدير أبلغ من القادر، والمقتدر أبلغ من القادر، وللقادر معنيان: يكون بمعنى القدير، من القدرة على كل شيء، وذلك صفة لله -عز وجل- وحده من دون غيره، وإنما يوصف القادر منا بالقدرة على بعض المقدورات دون بعض .

الوجه الثاني: أن يكون بمعنى المقدور، ويقال: قدر، بالتخفيف، وقدر، بالتشديد، وجائز في كلام العرب أن يقال: قدر واقتدر بمعنى واحد، مثل جذب واجتذب .




الخدمات العلمية