الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا قتيبة ، حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي ) : بضم المعجمة وفتح الموحدة ، نسبة إلى قبيلة بني ضبيعة كجهينة ، كذا في الأنساب للسمعاني ، فما في الشرح أنه نسبة إلى قبيلة [ ص: 155 ] ضبع كأنه سهو ، وجعفر صدوق زاهد ، لكنه ينسب إلى التشييع . ( عن مالك بن دينار ) : هو تابعي مشهور ، من علماء البصرة وزهادهم ، فالحديث مرسل ، قال ميرك : بل معضل ; لأن مالك بن دينار وإن كان تابعيا لكن روى هذا الحديث عن الحسن البصري ; وهو تابعي أيضا فقال : حدثنا الحسن قال : لم يشبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز ولحم إلخ ، هكذا أخرجه أبو موسى المديني وأصحاب الغريب ، وله شاهد من حديث قتادة عن أنس كما سيأتي في باب العيش الطويل . ( قال : ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز ) : التنوين للتنكير فهو شامل لعيش الحنطة والشعير . ( قط ) : بفتح القاف وتشديد المهملة ، قال ميرك : منهم من يقولها مخففة ويبنيها على أصلها ، أو يضم آخرها ، أو يتبع الضمة الضمة أي أبدا . ( ولحم ) : أي ومن لحم ، كذلك قال ميرك : الواو بمعنى مع وفيه بحث ، وفي نسخة " ولا لحم " بزيادة لا لتأكيد النفي . ( إلا على ضفف ) : بفتح الضاد المعجمة والفاء الأولى . قيل الاستثناء منقطع ، وقيل متصل ، والظاهر أنه مفرغ ، وقال ميرك : الاستثناء من الدهر الذي يدل عليه كلمة " قط " ، انتهى . وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم ما شبع من خبز بر أو شعير إلا على ضفف ، وكذا ما شبع من لحم أصلا إلا على ضفف ، ففي الكلام في الحقيقة نفيان واستثناءان ، وقد يقال : معناه لم يشبع من خبز ولحم قط إلا على ضفف ، لكن لا يلائمه تقديم " قط " على قوله " ولا لحم " ، وسيجيء في الباب الطويل في عيشه صلى الله عليه وسلم ، عن أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجتمع عنده غذاء ولا عشاء من خبز ولحم إلا على ضفف . وهو يلائم المعنى الأخير ولا ينافي المعنى الأول فالكل محتمل ، فتأمل . ( قال مالك ) : أي ابن دينار . ( سألت رجلا من أهل البادية ) : لأنهم أعرف باللغات الغريبة . ( ما الضفف ؟ فقال ) : وفي نسخة " قال " . ( أن يتناول ) : بضم أوله ، وفي نسخة بفتحه ، أي يستعمل الأكل . ( مع الناس ) : فمعنى الخبر أنه صلى الله عليه وسلم لم يشبع من خبز ولحم إذا أكل وحده ، ولكن شبع منهما إذا كان يأكل مع الناس ، وهذا على التفسير المذكور في الكتاب ، ثم قيل : معناه أنه كان يأكل مع أهل بيته أو مع الأضياف أو في الضيافات والولائم والعقائق ، والمراد بالشبع له صلى الله عليه وسلم أكله ملء ثلثي بطنه ، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يأكل ملء البطن قط ، وقال صاحب النهاية : الضفف الضيق والشدة ، أي لم يشبع منهما على حال من الأحوال إلا على حال الضيق والشدة ، وحاصله أنه لم يكن الشبع منهما على حال التنعم والرفاهية . وقال في الفائق : في الحديث لم يشبع من طعام إلا على ضفف ، وروي حفف شظف ، الثلاثة في معنى ضيق المعيشة وقلتها وغلظتها ، يقال : أصابها حفف وحفوف وحفت الأرض إذا يبس نباتها ، وعن الأصمعي : أصابهم من العيش ضفف أي شدة ، وفي رأي فلان ضفف أي ضعف ، وما رئي على بني فلان حفف ولا ضفف أي أثر عوز . والمعنى أنه لم يشبع إلا والحال خلاف الخصب والرخاء عنده ، وقيل : معناه اجتماع الأيدي وكثرة الآكلين ، أي لم يأكل وحده ولكن مع الناس ، وقال صاحب الصحاح : الضفف كثرة العيال ، وقولهم لا ضفف يشغله ولا ثقل أي لا يشغله عن حجه ونسكه عيال ولا متاع ، كذا وجدته بخط ميرك شاه رحمه الله وهو بعينه في شرحه .

التالي السابق


الخدمات العلمية