الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 491 ] الفصل الثاني في تعريف همزة القطع ومواضعها التي تقاس فيها وحركتها .

تعرف همزة القطع بأنها الهمزة التي تثبت في حالتي الوصل والبدء نحو قوله تعالى : وأصلح لي في ذريتي وقوله تعالى : وبالوالدين إحسانا وقوله تعالى : إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه

وسميت بهمزة القطع لثبوتها في الدرج فينقطع بالتلفظ بها الحرف الذي قبلها عن الحرف الذي بعدها بخلاف همزة الوصل فإنها تثبت في البدء وتسقط في الدرج كما مر ومن ثم يتضح الفرق بين الهمزتين .

وقد أشار العلامة الطيبي إلى تعريف كل من همزتي القطع والوصل بقوله رحمه الله :


وهمزة تثبت في الحالين همزة قطع نحو أبيضين     وهمزة تثبت في البدء فقط
همزة وصل نحو قولك النمط

ا هـ

مواضع همزة القطع التي تنقاس فيها وبيان حركتها

أما مواضعها التي تنقاس فيها فهي خمسة إجمالا :

وهي الأفعال الثلاثية ومصدرا الفعل الماضي الثلاثي والرباعي على تفصيل يأتي بعد .

وأما بيان حركتها فيشمل الحركات الثلاث الفتحة والكسرة والضمة وفيما [ ص: 492 ] يلي تفصيل كل موضع من مواضعها الخمسة مع بيان الحركة فيه فنقول وبالله التوفيق ومنه سبحانه نستمد العون والقول .

همزة القطع المفتوحة وموضع وجودها

توجد همزة القطع المفتوحة في خمسة مواضع وإليك بيانها :

الأول : الفعل الماضي الثلاثي المبني للمعلوم نحو " أذن وأمر " في قوله تعالى : في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه وقوله عز من قائل : أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم وما إلى ذلك .

الثاني : الفعل الماضي الرباعي المبني للمعلوم نحو : " ألهاكم وأوحى وأحسن " في قوله تعالى : ألهاكم التكاثر وقوله سبحانه : وأوحى ربك إلى النحل وقوله تعالى : إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وقوله تعالى : إنه ربي أحسن مثواي وما أشبه ذلك .

الثالث : الفعل المضارع نحو " أذبح وأعمل وأسمع وأرى " في قوله تعالى : إني أرى في المنام أني أذبحك وقوله سبحانه : وأن أعمل صالحا ترضاه وقوله عز شأنه : إنني معكما أسمع وأرى وما كان على هذا النحو .

الرابع : فعل الأمر من الرباعي نحو " أكرم وأحسن وأخرج وأصلح " في نحو قوله تعالى : أكرمي مثواه وقوله سبحانه : وأحسن كما أحسن الله إليك [ ص: 493 ] وقوله سبحانه : أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل وقوله تعالى : وأصلح لي في ذريتي وما إلى ذلك .

الخامس : مصدر الفعل الماضي الثلاثي . وقد تكون همزة القطع فيه مفتوحة نحو " أمر وأمن وأكل " وقد تكون مكسورة أيضا نحو " إذن وإفك وإثم " .

فمثال المفتوحة في التنزيل قوله تعالى : ولا أعصي لك أمرا وقوله سبحانه : " من كل أمر " . وقوله جل شأنه : وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا وقوله تعالى : وتأكلون التراث أكلا لما وما شابه ذلك .

ومثال المكسورة في القرآن الكريم قوله تعالى : تنـزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر وقوله سبحانه : ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه وقوله تعالى : وقالوا هذا إفك مبين وقوله عز وجل : ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما وشبه ذلك .

همزة القطع المكسورة وموضع وجودها

توجد همزة القطع المكسورة في موضعين :

الأول : مصدر الفعل الماضي الرباعي نحو " إطعام وإخراج وإحسان وإنشاء وإكرام " في قوله تعالى : فكفارته إطعام عشرة مساكين وقوله تعالى : [ ص: 494 ] ويخرجكم إخراجا وقوله جل وعلا : وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا وقوله عز شأنه : إنا أنشأناهن إنشاء وقوله سبحانه : كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام وقوله عز وجل : تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام

الثاني : مصدر الفعل الماضي الثلاثي فيما صح فيه الكسر نحو " إذن وإثم وإفك " وقد مر ذكر ذلك والتمثيل له من التنزيل آنفا .

همزة القطع المضمومة وموضع وجودها

توجد هذه الهمزة في أربعة مواضع :

الأول : الفعل المضارع من الثلاثي المزيد نحو " أبرئ وأحيي وأميت " كما في قوله تعالى : وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وقوله سبحانه : قال أنا أحيي وأميت وما كان من هذا الباب .

ثانيها : الفعل المضارع من الثلاثي المضعف نحو " أبرئ " كما في قوله تعالى : وما أبرئ نفسي

ثالثها : الفعل الماضي الثلاثي المبني للمجهول نحو " أمر وأذن " كما في قوله تعالى : وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا وقوله تعالى : لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين وقوله سبحانه : أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا

[ ص: 495 ] رابعها : الفعل الماضي الرباعي المبني للمجهول أيضا نحو : " أوتي وأوحي وأخرج " كما في قوله تعالى : قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى وقوله سبحانه : قل أوحي إلي وقوله سبحانه : أتعدانني أن أخرج

" تتمة " : ما تقدم هو المواضع القياسية لهمزة القطع في الأسماء والأفعال .

أما في الحروف فهي فيها همزة قطع من غير شرط نحو " أن وكأن " المشددتين والمخففتين أيضا نحو قوله تعالى : " إن الله على كل شيء قدير " ، وقوله سبحانه : كأنهم أعجاز نخل منقعر وقوله عز شأنه : إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا وقوله تعالى : كأن لم يغنوا فيها وما شابه ذلك .

ويستثنى من الحروف " ال " عند سيبويه ومذهب الخليل أنها قطعية ووصلت لكثرة الاستعمال .

هذا : وكل ما يرد ذكره من همزات في غير ما تقدم قياسية في همزتي الوصل والقطع أو سماعية بالنسبة لهمزة الوصل فهو من همزات القطع سواء أكانت ساكنة متوسطة أم متطرفة وسواء كانت متحركة مبتدأة أو متوسطة أو متطرفة أو كانت للاستفهام أو لغيره وهي على هذا المنوال كثيرة يصعب حصرها وترد في الأسماء والأفعال والحروف بلا شرط وهي ظاهرة لا تخفى وتدرك بأدنى تأمل .

فإن قلت حيث إن همزات القطع في غير ما تقدم كثيرة وترد في الأسماء والأفعال والحروف بلا قيد فما وجه ذكرها أولا في أبواب خاصة بها مقيسة فيها .

[ ص: 496 ] قلت : وجه ذكرها في تلك الأبواب هو الخوف من وقوع التشابه بينها وبين الأبواب التي تنقاس فيها همزة الوصل إذ يخفى أمرها على المبتدئين وللتنبيه على أنها في هذه الأبواب تأتي همزة قطع لا همزة وصل : وهذا هو محل بحث الصرفيين فيها فتأمل .

وإليك طائفة من أمثلة همزة القطع من غير الأبواب المقيسة فيها والتي مر ذكرها آنفا .

فمثالها ساكنة في الوسط وفي الطرف نحو " بئر ومأكول ويؤمنون وهيء " في قوله تعالى : وبئر معطلة وقصر مشيد وقوله سبحانه : فجعلهم كعصف مأكول وقوله تعالى : الذين يؤمنون بالغيب وقوله جل شأنه : وهيئ لنا من أمرنا رشدا وما إلى ذلك .

ومثالها متحركة مطلقا مبتدأة ومتوسطة ومتطرفة نحو " إنا وقرآن وسئل وسنقرئك وينشئ وبدأ ومن ماء " في قوله تعالى : إنا لله وإنا إليه راجعون وقوله سبحانه : وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا وقوله تعالى : أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل وقوله عز شأنه : سنقرئك فلا تنسى وقوله عز من قائل : وينشئ السحاب الثقال وقوله جل وعلا : وبدأ خلق الإنسان من طين وقوله سبحانه : والله خلق كل دابة من ماء [ ص: 497 ] وما شابه ذلك .

ومثالها للاستفهام ولا تكون إلا مفتوحة نحو " أطلع أتتركون أألد آلذكرين " في قوله تعالى : أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا وقوله سبحانه : أتتركون في ما ها هنا آمنين وقوله جلت قدرته : أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا وقوله سبحانه : قل آلذكرين حرم أم الأنثيين وما كان على هذا النحو .

ومن ثم يتضح جليا أن همزة القطع تأتي ساكنة في الوسط وفي الطرف وتأتي متحركة مطلقا في الابتداء والوسط والطرف وتوجد في الأسماء والأفعال والحروف بخلاف همزة الوصل فإنها لا توجد إلا في أول الكلمة ولا تقع ساكنة بحال : فخالفت همزة القطع في أنها لا تأتي ساكنة ، ولا توجد في وسط الكلمة ولا في آخرها فتأمل هذا . والله ولي التوفيق والهادي إلى أقوم طريق .

التالي السابق


الخدمات العلمية