الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      تفسير ما يجوز في الصيام في الحج وما لا يجوز قلت لابن القاسم : أرأيت الصيام في الحج والعمرة في أي المواضع يجوز الصيام في قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : الصيام في الحج والعمرة عند مالك إنما هو في هذه الأشياء التي أصف لك ، إنما يجوز الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج وإن لم يجد هديا صام قبل يوم النحر ثلاثة أيام وسبعة إذا رجع ، فإن لم يصمها قبل يوم النحر صامها أيام التشريق يفطر يوم النحر الأول ويصومها فيما بعد يوم النحر ، فإن لم يصمها في أيام التشريق فليصمها بعد ذلك إذا كان معسرا ، وفي جزاء الصيد قال الله تعالى : { أو عدل ذلك صياما } وفي فدية الأذى { ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } قال : وقال مالك : كل من وجب عليه الدم من حج فائت ، أو جامع في حجه أو ترك رمي الجمار أو تعدى الميقات فأحرم أو ما أشبه هذه الأشياء الذي يجب فيها الدم ، فهو إن لم يجد الدم صام .

                                                                                                                                                                                      قلت لابن القاسم : فكم يصوم هذا الذي وجب عليه الدم في هذه الأشياء التي ذكرت لك إذا لم يجد الدم في قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : ثلاثة أيام في الحج ثم سبعة إذا رجع ، قال ابن القاسم : وقد قال لي مالك في الذي يمشي في نذر فيعجز أنه يصوم متى ما شاء ويقضي متى شاء في غير حج فكيف لا يصوم في غير حج .

                                                                                                                                                                                      قال ابن القاسم : وكل ما كان من نقص في حج من رمى جمرة أو ترك النزول بالمزدلفة فهو مثل العجز ، إلا الذي يصيب أهله في الحج فإن ذلك عليه أن يصوم في الحج . قلت : فالذي يفوته الحج أيصوم الثلاثة الأيام في الحج إذا لم يجد هديا ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم يصوم في الحج . قلت لابن القاسم : أليس إنما يجوز له في قول مالك أن يصوم مكان هذا الهدي الذي وجب عليه في الجماع وما أشبهه إذا كان لا يجد الهدي ، فإذا وجد الهدي قبل أن يصوم لم يجز له أن يصوم ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم . وهو قول مالك .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت المتمتع إذا لم يصم حتى مضت أيام العشر وكان معسرا ثم وجد يوم النحر من يسلفه أله أن يصوم أم يتسلف ؟

                                                                                                                                                                                      قال : قال مالك : يتسلف إن كان موسرا ببلده ولا يصوم ، قلت : فإن لم يجد من يسلفه ولم يصم حتى رجع إلى بلده وهو يقدر ببلده على الدم أيجزئه الصوم أم لا ؟

                                                                                                                                                                                      قال : قال لي مالك : إذا رجع إلى بلده وهو يقدر على الهدي فلا يجزئه الصوم وليبعث بالهدي ، قال : قال لي مالك : وإن كان قد صام قبل يوم النحر يوما أو يومين في صيام التمتع ، فليصم ما بقي في أيام التشريق . قلت لابن القاسم : وكذلك الذي جامع أو ترك الميقات وما أشبههم ، أيجزئهم أن يصوموا مثل ما يجزئ المتمتع بعض صيامهم [ ص: 415 ] قبل العشر وبعض صيامهم بعد العشر ، ويجزئهم أن يصوموا في أيام النحر بعد يوم النحر الأول ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم . قلت : وكل شيء صنعه في العمرة من ترك الميقات أو جامع فيها ، أو ما أوجب به مالك عليه الدم في الحج وما يشبه هذا ، فعليه إذا فعله في العمرة الدم أيضا ، فإن كان لا يجد الدم صام ثلاثة أيام وسبعة بعد ذلك في قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم ، قلت : وإن وجد الهدي قبل أن يصوم لم يجزه الصيام ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم ، قلت : ولا يجزئ في شيء من هذا الهدي الذي ذكرت لك من الجماع وما أشبهه في قول مالك مما جعلته مثل دم المتعة الطعام ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم لا يجزئه الطعام .

                                                                                                                                                                                      قلت : وليس الطعام في شيء من الحج والعمرة في قول مالك إلا فيما ذكرت لي ووصفته لي في هذه المسائل ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم ، قلت : فأين موضع الطعام في قول مالك في الحج والعمرة ، صفه لي في أي المواضع يجوز له الطعام في الحج والعمرة ؟

                                                                                                                                                                                      قال : قال مالك : ليس الطعام في الحج والعمرة إلا في هذين الموضعين في فدية الأذى وجزاء الصيد فقط ، ولا يجوز الطعام إلا في هذين الموضعين . قلت : هل في الحج والعمرة في شيء مما تركه أن يفعله المحرم هدي لا يجوز فيه إلا الهدي وحده ولا يجوز فيه طعام ولا صيام ؟

                                                                                                                                                                                      قال : قال مالك : كل شيء يكون فيه الهدي لا يجده الحاج والمعتمر فالصيام يجزئ موضع هذا الهدي ، وما كان يكون موضع الهدي صيام أو طعام فقد فسرته لك من قول مالك قبل هذه المسألة .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية