الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير :

                                                                                                                                                                                                                                      تقدم القول في معنى {حم} {عسق} .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك ؛ أي : مثل الوحي المتقدم يوحي إليك ، وقيل : مثل حروف المعجم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن أي : من فوق السماوات ، وقيل : من فوق الأرض ، وقيل : الضمير للأمم المخالفة ؛ المعنى : يكاد السماوات يتفطرن من فوق الفرق الكافرة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : والملائكة يسبحون بحمد ربهم أي : يسبحون تعجبا من كفر الكفار .

                                                                                                                                                                                                                                      الطبري : المعنى : يصلون ؛ شكرا لله ، وهيبة ، وجلالة .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 35 ] الزجاج : المعنى : يعظمون الله ، وينزهونه [عن السوء .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وتنذر يوم الجمع أي : تنذر به ] .

                                                                                                                                                                                                                                      جعل لكم من أنفسكم أزواجا : قيل : معناه : إناثا .

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : نسلا بعد نسل ، من الناس والأنعام .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : يذرؤكم فيه : قيل : معناه : يخلقكم فيما جعل لكم من أزواجكم ، ويعيشكم فيما جعل لكم من الأنعام ، عن قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                      الفراء : {فيه} بمعنى : (به ) ، وكذلك قال الزجاج : معنى يذرؤكم فيه : يكثركم [به ؛ أي : يكثركم ] بجعلكم أزواجا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : إن الهاء في {فيه} لـ (الجعل ) ، ودل عليه {جعل} ؛ فكأنه قال : يخلقكم ، ويكثركم في الجعل .

                                                                                                                                                                                                                                      ابن قتيبة : يذرؤكم فيه أي : في الزوج ؛ أي : يخلقكم في بطون الإناث ، قال : وتكون {فيه} : في الرحم ، وفيه بعد ؛ لأن الرحم مؤنثة ، ولم يتقدم لها ذكر .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 36 ] وقوله : ليس كمثله شيء أي : ليس كهو شيء ، ودخلت (مثل ) للتوكيد ، وقيل : الكاف زائدة ؛ للتوكيد ؛ والمعنى : ليس مثله شيء .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا يعني : الإخلاص ، والتوحيد .

                                                                                                                                                                                                                                      والذي أوحينا إليك أي : وشرع لكم من الدين الذي أوحينا إليك .

                                                                                                                                                                                                                                      وما وصينا به إبراهيم : [أي : وشرع لكم من الدين ما وصى به إبراهيم ] ، وموسى ، وعيسى ، ثم فسر ذلك كله بقوله : أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه .

                                                                                                                                                                                                                                      وروي : أن نوحا عليه السلام أول من جاء بتحريم الأمهات ، والأخوات ، والبنات .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ولا تتفرقوا فيه أي : لا تتعادوا ، وكونوا إخوانا ، عن أبي العالية ، وقيل : المعنى : لا تؤمنوا ببعضه وتكفروا ببعضه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : كبر على المشركين ما تدعوهم إليه يعني : من التوحيد .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم يعني : الأمم المتقدمة ، وقيل : يعني : قريشا ؛ أي : ما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      بغيا بينهم أي : بغيا من بعضهم على بعض ؛ طلبا للرئاسة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم يعني : وإن اليهود والنصارى [ ص: 37 ] الذين أورثوا الكتاب من بعد المختلفين في الحق ؛ لفي شك من الدين الذي وصى به الأنبياء ، و {الكتاب} ههنا : التوراة [والإنجيل ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : المعنى : وإن الذين أورثوا الكتاب من قريش من بعدهم أي : من بعد اليهود والنصارى- لفي شك من القرآن ، أو من محمد صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      و (الشك ) : يجوز أن يكون لليهود والنصارى ، أو لقريش .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فلذلك فادع واستقم أي : فلذلك الدين الذي وصى به الأنبياء عليهم السلام .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : (ذلك ) بمعنى : (هذا ) ؛ والمعنى : فلهذا القرآن فادع واستقم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ؛ والمعنى : كبر على المشركين ما تدعوهم إليه ؛ فلذلك فادع واستقم .

                                                                                                                                                                                                                                      واللام بمعنى : (إلى ) على هذه الأقوال ، وقيل : هي على بابها ؛ والمعنى : فمن أجل ذلك الذي تقدم ذكره ؛ فادع ، واستقم .

                                                                                                                                                                                                                                      والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم : قال مجاهد : المعنى : من بعد ما أسلم الناس ، قال : وهؤلاء قوم توهموا أن الجاهلية تعود .

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة : والذين يحاجون في الله : اليهود والنصارى ، و (محاجتهم ) : قولهم :

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 38 ] نبينا قبل نبيكم ، وكتابنا قبل كتابكم .

                                                                                                                                                                                                                                      والهاء في {له} : يجوز أن تكون لله تعالى ، ويجوز أن تكون للنبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : نزلت في قوم من اليهود خاصموا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في دينهم ؛ طمعا أن يردوهم عنه ، وهذا اختيار الطبري .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وما يدريك لعل الساعة قريب يستعجل بها يعني : على طريق الاستهزاء .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : من كان يريد حرث الآخرة نـزد له في حرثه : (الحرث ) : العمل ؛ والمعنى : من أراد بعمله الآخرة ؛ وفق ، وضوعفت له الحسنات ، ومن أراد حرث الدنيا ؛ آتاه الله منها ما يشاء الله عز وجل .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : إن الآية في الغزو ؛ أي : من أراد بغزوه الآخرة ؛ أوتي الثواب ، ومن أراد الغنيمة ؛ أوتي منها .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا أي : من جزاء ما كسبوا ، و (الظالمون ) ههنا : الكفار .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى : قال الحسن : المعنى : إلا أن تتوددوا إلى الله عز وجل ، وتتقربوا إليه بطاعته .

                                                                                                                                                                                                                                      وعنه أيضا : أنها نزلت حين تفاخرت الأنصار والمهاجرون ، فقالت [ ص: 39 ] الأنصار : نحن فعلنا ، وفخر المهاجرون بقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخرج عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وكلم الأنصار بكلام قد ذكرته في «الكبير » .

                                                                                                                                                                                                                                      الشعبي ، وعكرمة ، وغيرهما : المعنى : لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوني لقرابتي ، فتحفظوني ، فهو على هذا استثناء منقطع .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ومن يقترف حسنة أي : من يكتسب .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فإن يشأ الله يختم على قلبك : هذا هو الوقف ، ثم استأنف : ويمح الله الباطل .

                                                                                                                                                                                                                                      قال قتادة : معنى فإن يشأ الله يختم على قلبك : ينسك ما علمك .

                                                                                                                                                                                                                                      غيره : المعنى : إن يشأ يزل تمييزك .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : المعنى : إن يشأ يختم على قلبك بالصدق والخير ، وقد فعل به ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : المعنى : إن يشأ يربط على قلبك بالصبر على أذاهم .

                                                                                                                                                                                                                                      الزجاج : قوله : أم يقولون افترى على الله كذبا تمام ، وقوله : ويمح الله الباطل : احتجاج على من أنكر ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أي : لو كان ما أتى به باطلا ؛ لمحاه ؛ كما [ ص: 40 ] جرت به عادته في المفترين .

                                                                                                                                                                                                                                      إنه عليم بذات الصدور : قيل : هو على العموم ، حسب ما تقدم في مثله ، وقيل : المعنى : أنك لو حدثتك نفسك أن تفتري على الله كذبا ؛ لطبع على قلبك .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ويستجيب الذين آمنوا أي : يستجيب لهم ، وقيل : المعنى : ويجيب الذين آمنوا .

                                                                                                                                                                                                                                      المبرد : المعنى : وليستدع الذين آمنوا الإجابة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ويزيدهم من فضله : قيل : (الزيادة ) ههنا : أن يشفعهم في إخوان إخوانهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض : قيل : إنها نزلت في قوم من أهل الصفة تمنوا سعة الرزق .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية