الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق الغسل ، بالفتح : إسالة الماء على الشيء ، والغرض منه إزالة ما على الشيء من وسخ وغيره مما يراد تنظيفه منه ، والوجوه : جمع وجه ، وحده من أعلى تسطيح الجبهة إلى أسفل اللحيين طولا ، ومن شحمة الأذن إلى شحمة الأذن عرضا ، والأيدي : جمع يد ، وهي الجارحة التي تبطش وتعمل بها ، وحدها في الوضوء من رؤوس الأصابع إلى المرافق ، وهو ( بفتح الميم والفاء ، وبكسر الميم وفتح الفاء ، وبالعكس ) وأعلى الذراع وأسفل العضد .

                          فالفرض الأول من أعمال الوضوء : غسل الوجه ، وهل يعد باطن الفم والأنف منه ; [ ص: 184 ] فيجب غسلهما بالمضمضة والاستنشاق والاستنثار ، أم ليسا منه ، فيحمل ما ورد من أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بها ، والتزامه إياها ، على الندب ؟ ذهب جمهور فقهاء الأمصار إلى أن ذلك سنة ، وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وابن المنذر وبعض فقهاء أهل البيت ، إلى أنه واجب ، واستدلوا بأنها من الوجه ، وبالأحاديث المتفق عليها في الأمر بذلك والتزامه ، وهو سبب التزام المسلمين ذلك ، من الصدر الأول إلى الآن ، والمضمضة : إدارة الماء وتحريكه في الفم ، والاستنشاق : إدخال الماء في الأنف ، والاستنثار : إخراجه منه بالنفس ، وليس للقائلين بعدم وجوب ما ذكر دليل به في معارضة أدلة الوجوب .

                          قال في نيل الأوطار : قال الحافظ ابن حجر في الفتح : " وذكر ابن المنذر أن الشافعي لم يحتج على عدم وجوب الاستنشاق مع صحة الأمر به ، إلا بكونه لا يعلم خلافا في أن تاركه لا يعيد ، وهذا دليل فقهي ; فإنه لا يحفظ ذلك عن أحد من الصحابة والتابعين ، إلا عن عطاء ، وهكذا ذكر ابن حزم في المحلى " انتهى .

                          أقول : إن الذين يصح جعل تركهم حجة في هذا الباب ، هم الصحابة ، ولم ينقل عنهم ترك المضمضة والاستنشاق حتى يبحث في إعادتهما ، وحديث ( المضمضة والاستنشاق سنة ) . . . إلخ الذي رواه الدارقطني عن ابن عباس مرفوعا ، ضعيف ، على أن السنة في كلامهم : هي الطريقة المتبعة ، وهو المعنى اللغوي ، فلو صح لكان جعله من أدلة الوجوب أظهر .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية